لفهم ما حدث في سوق الأسهم

[email protected]

تعد السوق المالية في غاية الأهمية لأي اقتصاد كونها تشكل موئلاً لرأس المال في الاقتصادات النامية والمتقدمة على السواء، ولو بدرجات مختلفة، للحصول على رأس المال للاستثمار وتشجيع العمليات الاستثمارية عموماً من خلال توفير أحد أهم عناصر الإنتاج لأي منظومة اقتصادية، ألا وهو رأس المال. وكحال جميع التعاملات الأخرى والأسواق المالية في جميع أنحاء العالم، ليس هناك بد من تنظيم السوق والإشراف عليها بطريقة تضمن تحقيق أهداف الجهات التنظيمية والإشرافية. وتتنوع فلسفة الإشراف والرقابة من سوق إلى أخرى تبعاً للفلسفة الاقتصادية والقناعات النهائية لصناع القرار، فمن المثبت أن الجهات الرقابية والتنظيمية في الأسواق المالية للدول الصناعية والمتقدمة تستهدف رفع الثقة، الشفافية، العدالة في التعامل والاستثمار، وتوافر المعلومات في السوق بجانب أهداف أخرى أقل أهمية ليس من ضمنها أبداً ضمان تحقيق عوائد معينة للمستثمرين أو استهداف تحقيق معدلات من النمو، حيث إن قوى السوق في النهاية هي الحكم، وتحقيق التكافؤ في الفرص هو الهدف النهائي, أما التكافؤ في تحقيق الأرباح فليس هدفاً تتدخل الجهات التنظيمية والإشرافية لتحقيقه.
من جانب آخر، تشير الأدبيات الاقتصادية والمالية إلى أن جانب التنظيم والإشراف على السوق لا يتبع أنموذجاً واحداً في كل الحالات، تبعاً لقاعدة تجاوب الأنظمة والتشريعات مع الأهداف النهائية التي تبنى على الحالة الخاصة للاقتصاد واحتياجاتها، ففي بعض الأسواق، كالأسواق المالية الآسيوية تتضمن أهداف الجهات التنظيمية والتشريعية للسوق المالية ضمان استقرار السوق وقوتها بجانب ضمان قوة وتنافسية الاقتصاد ككل لكون السوق المالية من أهم قنوات توفير الاستثمار الأجنبي المباشر للنهوض بالاقتصاد، أي أن مهمة الجهات التنظيمية والإشرافية تصل إلى حد التدخل في السوق لتحقيق الأهداف الاقتصادية. وعليه، فتقييم القرارات التنظيمية والتشريعية للسوق المالية يجب أن يبنى على الأهداف الاقتصادية الوطنية ودور السوق المالية كرافد تمويلي مقارنة باستثمارات المحافظ، الاستثمارات الخاصة، والقروض المصرفية المحلية والعالمية بشكل لا يؤدي إلى الإخلال بدور السوق المالية ونموها الذي يجب أن يترافق يداً بيد مع المرحلة التنموية للاقتصاد.

فإذا وجب تناسق التنظيمات والتشريعات في الأسواق المالية مع الأهداف والحالة الاقتصادية عموماً، فبتطبيق ذلك على نموذج السوق المالية السعودية التي بدأت في الانفتاح على الأسواق العالمية مع الانضمام إلى منظمة التجارة العالمية، السماح للمقيمين الأجانب بالاستثمار في سوق الأسهم، تطور تقنيات التداول، التحولات الديموغرافية في المملكة، والارتباط بأسواق مالية أخرى، فإن الحاجة ملحة أكثر من أي وقت مضى إلى تحديد دور السوق المالية في المملكة من ناحية الأهداف النهائية، الأهداف المرحلية، والارتباط بين مختلف المتغيرات التي قد تؤثر في الدور الذي يجب أن تأخذه مقارنة بالقنوات الأخرى. إن الاستثمار في الأسواق المالية يجب أن يبنى على التوقعات المستقبلية، لذا يجب أن تتم صياغة الأنظمة والتشريعات بنظرة مستقبلية للاقتصاد تسبق توقعات السوق، المستثمرين، والقطاع الخاص عموماً بناء على توقعات التحول في هيكل الاقتصاد والعوامل المؤثرة في أداء السوق المالية ودورها في الاقتصاد.
إذا كانت التشريعات والأنظمة تتبع حالة الاقتصاد ككل لتسبق توقعات المستثمرين وتتوقع سلوكهم، فمن الأجدى أن نتفحص حالة سوق الأسهم السعودية ومستوى كفاءتها المعرف بتجاوب الإجماع السوقي وعموم المستثمرين لحالة السوق واتجاهاتها وجميع المعلومات المتوافرة والمتوقعة. إن كفاءة السوق المالية تعتمد على طرفين، الأول معدل الإفصاح القانوني غير المخالف لأي من قوانين الإفصاح لدى الشركة، والثاني فهم عموم المستثمرين لطبيعة هذا الإفصاح بافتراض شفافية ووضوح التشريعات النظامية والرقابية الكلية. فحين يخفى الإفصاح، أو أن يوهم السوق بطريقة أو بأخرى بمعلومات غير جوهرية، فإن هذا الإفصاح مضلل للمستثمرين ومعوق لرفع كفاءة السوق المالية، وحين تكون الثقافة الاستثمارية لدى أغلب المتعاملين لا تؤهل لاستيعاب معنى الإفصاح فإن النتيجة أيضاً إعاقة لرفع كفاءة السوق، استقرارها، تنظيمها، والثقة بها، ومعدل الثقة هو الشيء الأهم لأي سوق مالية في العالم.
ولربط حال السوق السعودية بمستوى الكفاءة، يجب تفحص طرفي كفاءة السوق المالية، طرف الإفصاح ممثلاً في الشركات المدرجة، وطرف المستثمرين ممثلاً في عموم المستثمرين. إن تفحصاً علمياً لهذه العلاقة يحتاج إلى الكثير من البيانات، ولكن لمقالتنا هذه، سنستخدم المعلومات المتوافرة للوصول إلى تصور. لا شك أن البيانات تشير إلى أن معدل الإفصاح وإعلانات وتنويهات الشركات المدرجة في السوق السعودية قد ارتفعت في الأعوام التي تلت إنشاء هيئة السوق المالية على الرغم من أن بعض هذه الإعلانات المتزايدة كانت غير جوهرية وهدفها التغرير بالمستثمرين - دون ريب. ومن جانب المستثمرين، لا نجد دليلاً على أن الإجماع السوقي أو أن المساهمين في السوق قد تغير تقييمهم لهذه الإعلانات! وهذا يربطنا بتطور ثقافة الاستثمار لعموم المساهمين والبحث عن الجهات المقصرة في هذه المعمعة.
عند تناول ثقافة الاستثمار لعموم المستثمرين في السوق السعودية فمن المخل مقارنتهم بالمستثمرين في الأسواق المتقدمة، حيث إن أغلبهم خبراء استثمار أو يوظفون أموالهم لدى خبراء استثمار يحاسبون على أدائهم ونتائجهم. ومن الجور مقارنة المستثمرين في السوق السعودية بنظرائهم في الأسواق المتقدمة بسبب تباين هيكل الأسواق والاقتصادات، تباين ديموغرافية المستثمرين والوحدات الاقتصادية الفاعلة، تباين مستوى نضج الأسواق، وفي النهاية ما يؤدي إلى تباين أهداف عموم المستثمرين وسلوكياتهم.
وأخيراً، من المهم التنسيق بين الكم والكيف في إعلانات الشركات وتحركات أسهمها، فالاختلال الواضح في كفاءة السوق المالية ربما لا يكون سببه معدلات إفصاح الشركات، بل قد يكون نوعية الإفصاح والمضاربة الداخلية وتسريب الأخبار لبعض المضاربين. وأيضاً، قد يكون عدم ارتفاع الثقافة الاستثمارية لعموم المستثمرين والمسؤولة عنها عدة جهات تتضمن الإعلام والجامعات وغيرها التي من واجبها تسخير مختلف الحلول والسياسات للنهوض بالثقافة الاقتصادية العلمية لرفع مستوى الكفاءة، ولكن النتائج محدودة لحد الآن. جل ما نتمناه أن يكون هناك تنسيق من الجهات المعنية لاستهداف هذه المسببات والوصول إلى ثقافة استثمارية تتناسب مع مكانة الاقتصاد السعودي في المديين المتوسط والطويل.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي