رهان قادم في "مئوية" سوق الأسهم السعودية
كنتُ قد عاهدت نفسي ألا أكتب في سوق الأسهم السعودية بعد مقالي القديم بعنوان (ارتفاع المؤشر لا يعني أرباحا)، وقد كان المؤشر في حدود 17 ألف نقطة، ثم واصل الارتفاع حتى وصل إلى حدود 21 ألف نقطة، خلالها كنتُ أتلقي التعليقات الساخرة ما بين الحين والآخر حتى وصلت إلى درجة وصفي بأحد "المرجفين في الأرض"، ولم أحاول بعدها أن اذكر (المعاتبين) بوضع السوق اليوم.
ولكن بعد أن سمعت تقييم الزميل والأخ العزيز تركي فدعق علي سهم (المملكة) قبل التداول بيوم واحد بأنه يتوقعها بين 12 و13 ريالا، قلت لقد وقع في فخ الإعلام ومنتديات الأسهم، ولن ترحمه الأقلام من هذا التقييم الهابط، خاصة وأن شركة المملكة ثارت عليها الكثير من التكهنات حول الأثر المتوقع لها في السوق بعد إدراجها، وتنافس المحللون في إطلاق رهاناتهم وتوقعاتهم، فوضعوا السعر المتوقع لها لليوم الأول ما بين 25 و35 ريالا وهناك من أوصلها إلى حدود 51 ريالاً، ولكن وبعد دقة توقع المحلل المالي تركي فدعق، قررت العودة إلى الكتابة عن الأسهم وتحديداً عن أهمية (عمق السوق).
كنا نتحدث عن أقل من 60 شركة عام 2005، وأصبحنا اليوم 100 شركة، وهو ما كنا نطالب به لصناعة سوق مالية حقيقية تعكس الوضع الاقتصادي العام للدولة، وفي اعتقادي وبشكل عام، أن 100 شركة سعودية مساهمة حتى الآن ليست بالكثيرة بعد، ولكن مقارنة بأحجام هذه الشركات فهي مرضية على الأقل في الوقت الحاضر، وكما سجلت الهيئة نجاحا في إدراج الشركات فإنها تسجل النجاح في نوعية الشركات وتنوعها، ومعظمها شركات ناجحة، أو هكذا تشير قوائمها المالية على أقل تقدير.
يبدو من الوضع القائم وكأننا مقبلون على مرحلة جديدة من مسؤولية هيئة السوق المالية نحو زيادة (عمق السوق)، حتى وإن كان تحركها في هذا الجانب اتسم بالبطء تارة ثم عاد وتسارعت وتيرته، وهناك حقيقة مهمة جداً عن عمق السوق، فالمعنى الدارج لعمق السوق يرتكز إلى إدراج مزيد من الشركات، ما يعني مزيداً من عدد الأسهم فقط، فزيادة عدد الأسهم من شأنها تقويض المضاربات والمضاربين، فأي سوق يطغى فيها سلوك (المضاربة) على سلوك (الاستثمار)، ستكون معرضة للخطر!
ولست من مؤيدي القضاء على (المضاربة) في سوق الأسهم، ولكن نحن ضد (شلة) المضاربين القادرين على السيطرة على أسهم الشركات نظرا لعددها وعدد أسهمها المحدود، وهذه النظرة قاصرة إلى حد بعيد، فعمق السوق له بعد نظري (أعمق) من مجرد الحد من المضاربات.
الأسواق المالية، كما هو اسمها، ترتكز إلى حركة رأس المال، وتكتسب أهميتها وازدهارها الذي ينعكس على الاقتصاد من قدرتها على تمويل المشاريع وإمداد رجال الأعمال برأس المال الذي يحتاجون إليه مع تقليص درجة المخاطر إلى أدنى حد ممكن، وسوق المال هي واحدة من أهم مصادر التمويل من حيث انخفاض تكلفة رأس المال فيها على المدى المتوسط، وذلك يعني ببساطة شديدة أن هناك علاقة طردية بين تكلفة التمويل في سوق المال وحجم الشركة وعدد أسهمها، ما يعني أنه كلما زاد عمق السوق زادت تكلفة التمويل ومخاطره!
والسؤال المتوقع في الفترة المقبلة: هل تستطيع هيئة سوق المال أن تكون (المحفز) الوحيد، وتتحرك بشكل جاد بأن تجعل هذه السوق وجهة المستثمرين الجادين والشركات القادرة فقط على استخدام أدواتها؟ شخصياً أشك في قدرة هيئة سوق المال على إحداث هذا المفهوم وتكريسه وحيداً دون دور للجهات الحكومية الأخرى المسؤولة عن السياسات المالية والنقدية، مثل وزارة المالية ومؤسسة النقد، فدورها مهم في تحقيق التوازن في السوق، أي تحقيق التوازن ما بين سياسات العرض وسياسات الطلب.
إننا نراهن على نوعية الشركات التي ستدرج مستقبلاً، وفي مقدمها الشركات العائلية الكبيرة والناجحة فعلا! خاصة أن الاقتصاد السعودي يزخر بعشرات بل مئات من الشركات العائلية وذات المسؤولية المحدودة في جميع المناطق السعودية، ودون الحاجة إلى أن نسمي شركات بعينها .
لقد سبق لأحد أبرز كتاب صحيفة "الاقتصادية"، وهو الدكتور محمد آل عباس، أن طرح فلسفة عمق السوق ومدة قدرة هيئة السوق المالية على التفاعل معه، إذ أشار في مقال له بتاريخ 14 تموز (يوليو) الماضي، إلى أن مشكلة عمق السوق ستزداد، ومعها ستزداد تكلفة الدخول وكل تأخير في اتخاذ مثل هذا القرار سيزيد من صعوبة اتخاذه مع قدوم الأيام، خصوصاً أن السوق السعودية تبحث عن قاع لترتد منه، وإذا استمر الحال على ما هو عليه الآن من إحجام الشركات الجيدة عن الإدراج فإن عملية زيادة عمق السوق ربما تنعكس سلبيا عليها.
ويقول الدكتور محمد آل عباس، إن من أهم ميزات عمق السوق، بخلاف ما سبق، هو أن تستفيد السوق من النمو المتراكم للشركات، وهذه نقطة حاسمة ومهمة في موضوع اختيار الشركات المدرجة وحجمها.
لقد طرح الكاتب العزيز تساؤلاً أضم صوتي إليه، فهو يقول: هل فعلا نحن نحقق العمق المطلوب (وفقا للمفاهيم التي قدمت لها علاه) إذا تم إدراج شركات مثل "المملكة القابضة" و"جبل عمر"؟ وهل فعلا لدى شركات مثل "كيان" و"إعمار الاقتصادية" و"ينساب" القدرة على إحداث توازن النمو في المدى المتوسط المنظور؟
ختاماً، "المملكة القابضة" عليها علامة استفهام لأنها تمثل حالة مختلفة نوعا ما ولا أحد يستطيع استقراء وضعها في سوق الأسهم على الأقل الوقت الحالي!