الدولار .. حكاية ألف ريال وريال

[email protected]

ازداد الحديث والألم خلال الأشهر الماضية عن أسباب التضخم الكبير الذي يشهده السوق المحلي، وأسباب التضخم كثيرة منها حجم السيولة النقدية داخل الاقتصاد والاحتكار بجميع أنواعه وغيرها كثير، ولكن في وضعنا الحالي لم يكن تحديد السبب امرأ صعباً لدى الكثيرين حيث إن انخفاض الدولار مقابل العملات الرئيسية يعتبر سبب الأسباب لما نشهده من تضخم ولعل أكثر التصاريحات التي يسوقها كبار الموردين عن أسباب الارتفاع يعود إلى ارتفاع سعره من البلد المصدر. فمنذ عام 2005 والدولار يشهد تراجعا مستمرا أمام العملات الرئيسية وإن كان هناك فائدة وحيدة لهذا التراجع فإنها تأتي فقط في صالح الصادرات الأمريكية.
إن الانخفاض الكبير في سعر صرف الدولار الأمريكي مقابل معظم العملات الرئيسية كانت له انعكاسات سلبية على الاقتصاد السعودي خلال العامين الأخيرين من خلال الارتفاع الكبير الذي تشهده أسعار الواردات، إضافة إلى تراجع القوة الشرائية للريال مقابل العملات الرئيسية الأخرى غير الدولار. ولعل هذا التغير لم يكن ذا أهمية كبيرة قبل عقدين، ولكن في ظل تغير المناخ الاقتصادي العالمي خلال الـ 20 سنة الماضية من ناحية ظهور قوى اقتصادية جديدة تزاحم الهيمنة الأمريكية الاقتصادية على الاقتصاد العالمي وتحديدا في الإنتاج جعل من العملات المحلية المرتبطة بالدولار تفقد الكثير من قيمتها في ظل البيع بالدولار والشراء بعملات أخرى كثيرة لدول النمو الاقتصادي التي باتت تزاحم الهيمنة الأمريكية وقد يكون منها شركات أمريكية تبيع بعملات أخرى غير الدولار. وبالتالي فإن العملات المحلية المرتبطة بالدولار أصبحت تواجه ضغوطا تضخمية كبيرة قد يرى بعض الاقتصاديين أنها تؤثر في النمو الاقتصادي لتلك الدول خلاف ما تجره من تبعات على المستهلك المحلي الذي بلا شك يدفع ثمن ذلك التضخم في أسعار صرف العملات. وحتى مع النمو العالمي الكبير في الطلب على البترول فإن ذلك لا يزال يأتي بالدولار الأمريكي بينما الواردات تأتي بعملات مختلفة ترتفع بشكل تدريجي أمام الدولار وبالتالي أمام العملة المحلية، وهنا فإن التغير في قيمة الدولار أمام العملات الأخرى يضيف نسبا تضخمية على الريال في ظل تراجع القوة الشرائية له مقابل العملات الرئيسية الأخرى غير الدولار.
ولعل الغريب أن هناك بعض الأصوات التي تؤيد بقاء سعر صرف الريال على أساس أن ذلك في صالح الصادرات السعودية، نعم هو في صالح الصادرات السعودية لو كانت المملكة بلدا مصدرا ولكن المملكة ما زالت بلدا مستهلكا مستوردا، وانخفاض الدولار يدعم صادرت معينة وتلك الصادرات تجد دعما حكوميا كبيرا.
أما من ينادي ببقاء سعر صرف الدولار كما هو عليه بحجة أن غالبية واردات المملكة بالدولار فإن هذا السبب غير صحيح، لأن ميزان المملكة التجاري تغير خلال الـ 20 سنة الماضية بشكل كبير وأصبح الشركاء التجاريون للمملكة في حالة توازن إلى حد ما، ومع استمرار نهج الدولة في توسيع قاعدة الشركاء التجاريين فإننا سنجد أن الواردات بالدولار الأمريكي تقل مع مرور الوقت لصالح عملات أخرى، فعلى سبيل المثال، يأتي الاتحاد الأوروبي كأحد أهم الشركاء الاستراتيجيين للمملكة، ويتضح ذلك من خلال الميزان التجاري السعودي مع دول العالم المختلفة، حيث تمثل الدول الأوروبية ما نسبته نحو 33 في المائة من إجمالي الواردات السعودية لأكبر عشرة شركاء تجاريين وهذا يدل على أن نسبة كبيرة من الواردات تأتي من دول غير (دولارية).
نعم، إن تحرير الريال ليس في مصلحته خلال المديين القصير والمتوسط، وأتفق مع الطرح القائل بعدم تحريره، ولكن لا يزال هناك مجال لإعادة تقييم سعر الريال أمام الدولار حتى لو كان ذلك في ظل هامش صغير يعطي أملا في تخفيض نسب التضخم التي يدفع المواطن ثمنها.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي