شركات الاستثمار الجديدة .. إلى أين؟
منذ نحو عامين وكما هو معروف، بدأت هيئة السوق المالية بمنح تراخيص لعدد من الشركات، تركزت في خمسة مجالات استثمارية رئيسية، هي: التعامل، الإدارة، الترتيب، الحفظ، والاستشارة، استنادا إلى لائحة الأشخاص المرخص لهم ولائحة أعمال الأوراق المالية، حتى وصل عدد التراخيص الممنوحة حتى الآن إلى أكثر من 50 ترخيصا تركز معظمها في مجالات التعامل والإدارة والترتيب، في حين يتوقع أن يصل عدد هذه التراخيص إلى أكثر من 100 ترخيص خلال الفترة المقبلة.
عند التمعن في الشركات الاستثمارية المرخص لها حتى الآن، نلاحظ وجود تباين كبير في حجم رؤوس أموال هذه الشركات، ما يدل على إمكانية حدوث فائض أو عجز في السيولة، حيث إن رأسمال بعضها لا يزيد على 100 مليون ريال فقط ورأسمال بعضها الآخر يراوح بين 300 و400 مليون ريال، في حين يصل رأسمال بعضها الآخر أيضا إلى مليار ريال، على الرغم من تشابه الخطط والنشاط والسوق المستهدفة، ما يؤكد وجود خلل واضح في الدراسات الأولية التي استندت إليها هذه الشركات عند تأسيسها.
بعد مرور أكثر من عامين على هذه التجربة، تبين لنا أن العديد من هذه الشركات (سواء تلك التي حصلت على ترخيص من الهيئة أم تلك التي تنوي الحصول على ترخيص مستقبلا)، أنها في الحقيقة شركات تعاني من نقاط ضعف وسلبيات نلخصها فيما يلي:
* تأسيس بعض هذه الشركات من قبل مساهمين يملكون سيولة نقدية كبيرة، إلا أنهم مع الأسف يجهلون أساسيات الأوراق المالية والاستثمار.
* ظهور منافسة بين المؤسسين للحصول على علاوات إصدار تدفع من قبل باقي المساهمين، أو للحصول على أكبر حصة من رأس المال عن طريق التخلص من بعض المؤسسين.
* تعيين مديرين لا يملكون الحد الأدنى من المعرفة أو حتى الخبرة في مجالات: الأسهم العامة والخاصة، أدوات الدخل الثابت، استراتيجيات التحوط، المشتقات المالية، إدارة الأصول، الهندسة المالية، وغيرها من المجالات الاستثمارية، حيث إن خبراتهم تتركز في مجالات أخرى مثل: الائتمان المصرفي والعمليات البنكية، وهي مجالات بعيدة تماما عن عالم الاستثمار الفسيح.
* تحمل مصروفات عالية جداً تتمثل في مصروفات ما قبل التأسيس أو مصروفات التشغيل (تحديداً الرواتب أو الإيجارات) بالمقارنة بالشركات الأخرى أو حتى بالبنوك القائمة.
* التشتت والعشوائية في اتخاذ القرارات الإدارية، حيث يتمثل ذلك في تحديد المتطلبات الإدارية والفنية التي تحتاج إليها الشركة الجديدة لبدء نشاطاتها من جهة وفي طبيعة العلاقة مع البنوك التجارية من جهة أخرى.
* المحسوبيات في تعيين كبار المديرين، حيث تلعب العلاقة العائلية أو الشخصية دوراً أساسيا في تعيين المدير العام دون النظر إلى الكفاءة والخبرة (هناك العديد من الأمثلة على ذلك)!!
* استهلاك وقت طويل في تأسيس البنية التحتية والبدء رسمياً في مزاولة النشاط، حيث بلغ هذا الوقت لدى بعض هذه الشركات أكثر من عامين، في حين لم يحقق البعض الآخر أي تقدم يذكر على الرغم من حصوله على تراخيص الهيئة منذ فترة طويلة.
نتيجة لذلك، سيطرت بعض الشركات المملوكة من البنوك مثل "سامبا" وHSBC على حصة كبيرة في المجالات الاستثمارية التي تتمتع بهوامش ربح عالية مثل: الترتيب، الإدارة، والاستشارات المالية، تاركة المجالات غير المربحة مثل التعامل في الأوراق المالية وبعض الصفقات الصغيرة في مجالات الترتيب والإدارة للبنوك والشركات الأخرى التي بلا شك تواجه حالياً صعوبات كبيرة في منافسة العملاقين "سامبا" وHSBC، مما قد يهدد استمرارية البعض منها على المديين القصير أو الطويل.
وفي الإطار نفسه، نجد عددا كبيرا من الشركات التي تم الترخيص لها من قبل هيئة السوق المالية إلا أنها لم تزاول أنشطتها حتى الآن، في الوقت الذي ظهرت فيه سوق ثانوية للشركات التي حصلت على تراخيص من الهيئة ولم تبدأ مزاولة النشاط، حيث برزت محاولات للتخارج بين المساهمين المؤسسين مع مساهمين جدد، إلا أن الهيئة مشكورة وقفت بحزم أمام هذه الظاهرة من خلال التشديد على ثبات قائمة المساهمين المؤسسين وحصصهم في رأس المال، إضافة إلى التهديد بسحب التراخيص من الشركات التي لم تستكمل إجراءات تأسيسها ومزاولة النشاط حسب الجداول الزمنية المتفق عليها.
لا شك أن شركات الاستثمار الجديدة الآن تواجه وضعاً صعباً، وأول الملامح الملموسة لهذه المصاعب يتجلى في آخر التقارير الرسمية الخاصة بالصناديق الاستثمارية، الذي أظهر أن صناديق الأسهم السعودية التابعة لشركات الاستثمار حققت خسائر متراكمة منذ التأسيس بنسب تراوح ما بين 3 و6 في المائة، في حين بلغ إجمالي قيمة الأصول في صندوق الأسهم السعودية لإحدى هذه الشركات قيمة عشرة ملايين ريال فقط، آخذين في الاعتبار أن هذه الصناديق تأسست في الوقت الذي وصل فيه المؤشر لأدنى مستوياته. الغريب في الأمر قيام إحدى هذه الشركات بنشر تقارير مطمئنة عن وضع السوق، مما يثير التساؤل حول مبررات إصدار مثل هذه التقارير وتوقيت نشرها !!!
في ظل هذه المعطيات، يتضح لنا أن "سامبا" وHSBC هما اللذان استفادا من تجربة تحرير قطاع الاستثمار في المملكة حتى الآن، ويبقى السؤال المهم: إلى أين ستتجه باقي شركات الاستثمار الجديدة؟ وكيف سيكون وضعها في ظل المصاعب التي تواجهها حالياً وستواجهها مستقبلاً؟