في المال حق سوى الزكاة

المال هو الوجه الآخر للنشاط الاقتصادي، فهما وجهان متساويان لعملة واحدة.. وإذا كان النجاح في طريقة إدارة الاقتصاد لأي إقليم أو منطقة أو دولة لابد أن ينبثق من عمق ثقافة وفلسفة المجتمع ورؤيته، فإن الأمر متعلق كذلك بطريقة إدارة المال. وقد نخطئ كثيرا إذا فسرنا الاقتصاد أو التمويل الإسلامي بأداة واحدة فقط أو عدة أدوات محدودة كجباية الزكاة أو تحريم الربا أو منع الغرر أو النهي عن الإسراف والتبذير. وقل مثل ذلك لو أردنا أن نفسر الاقتصاد الرأسمالي فقط بالفائدة أو الضريبة أو غير ذلك. فأي طريقة لإدارة الاقتصاد لا بد أن تحتوي على كتلة أنظمة توجه حوضا هائل الحجم من الفعاليات الاقتصادية والمالية ذات الخصائص والطبيعة المتعلقة بمجتمعها. وتعمل الدراسات الاقتصادية والمالية على تطوير الأنظمة وتغيير الواقع ليتواءمان ويعملان على تحقيق الأهداف العليا لذلك المجتمع.
في ظل هذه المقدمة نجد أنه لا يمكن أن نصف أنظمة أو واقعا اقتصاديا وماليا لأي دولة بأنه اقتصاد أو تمويل إسلامي لمجرد محاولة تطبيق إحدى أدواته أو أجزائه أو أركانه. وبالنتيجة فإن الزكاة وإن كانت أحد أركان الإسلام الأساسية إلا أنها غير كافية لوسم النظام والواقع الاقتصادي والتمويلي في بلاد المسلمين بأنه نظام أو واقع يعكس الاقتصاد والتمويل الإسلامي. ويعود ذلك إلى أن الاقتصاد والتمويل أو إعادة التمويل الإسلامي تحتوي على عشرات إن لم تكن مئات القواعد والأدوات التي تقيم مظلة التمويل الإسلامي ليسهم في بناء مجتمع متوازن ومستقر ومزدهر وذي رفاهية مقبولة لجميع أفراده وطبقاته.
ولنسرد على سبيل التمثيل بعضا من هذه القواعد والأدوات والوسائل على الرغم من تفاوت أهميتها ودرجة وجوبها أو استحسانها ودرجة وعينا بها. أحد هذه الأمثلة النفقة الواجبة بين المتوارثين كالأبوين والأبناء والإخوة الوارثين وغيرهم.. وقد يقصر البعض في أداء واجباته في الإنفاق أو ترتيب أولويات الإنفاق أو مستوى الإنفاق. ومثال آخر على التمويل الإسلامي الإحسان إلى ذوي القربى والجيران والمساكين واليتامى والسائلين والمحرومين وذلك بإيصال جميع وسائل النفع إليهم ومنها الوسائل التمويلية. وأحد الأساليب التمويلية العصرية النافعة في الإحسان إلى هذه الفئات هو تكوين الصناديق الخيرية التي تعمل بشكل مؤسسي وموضوعي بعيدا عن إشعار المستفيدين بالضعف والإذلال "يا أيها الذين آمنوا لا تتبعوا صدقاتكم بالمن والأذى".
ومثال ثالث على قواعد وأدوات التمويل ووسائل إعادة التمويل الإسلامي هو الهدية النقدية وغير النقدية وما تزرعه من التآلف والترابط والتماسك في العلاقات الاجتماعية التي لا يخفى أثرها "تهادوا تحابوا". ومثال رابع هو الوصية المستحبة في الثلث وما دونه من المال الموروث، والواجب من الوصية هي الوصية للأقارب غير الوارثين "كتب عليكم إذا حضر أحدكم الموت إن ترك خيرا الوصية للوالدين والأقربين بالمعروف حقا على المتقين" فخرج الوالدين والأقارب المورثين بالنص الموضح لحقوقهم المحددة من الإرث، وبقى الوجوب متعلقا بالأقارب غير الوارثين ولكن تحديد أنصبتهم من الوصية تكون اختيارية للورثة.
ومثال خامس، صناديق الإقراض للإحسان والتي يمكن من خلالها أن يضع الأثرياء أجزاء من أموالهم للقرض على سبيل الإحسان وهذه الصناديق يجب أن تؤسس وتدار بواسطة بنوك مقابل رسوم خدمات غير ربوية. هذه الأساليب العصرية من الصناديق الإقراضية تمكننا من إعادة ظاهرة التعاون والإحسان بالقروض والسلف بين أعضاء المجتمع بعد أن انقطعت أو كادت بسبب عدم تمكن الأثرياء من حفظ أموالهم المقرضة على سبيل الإحسان في الوقت الحاضر وذلك لانخفاض الأمانة من وجه، ولزيادة التحرج بين المقرضين والمقترضين من وجه آخر.
والخلاصة أن النظام الاقتصادي والمالي الإسلامي لا يقتصر على أداة واحدة أو بضع أدوات محصورة، وإنما يجب أن يشمل عديدا من الوسائل والأدوات والقواعد التي توجد واقعا اقتصاديا وتمويليا إسلاميا، ففي المال حقوق سوى الزكاة.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي