أوباما بعد الـ 100 يوم
ساد في أحد محاور المؤتمر الذي نظمه معهد الدراسات الدبلوماسية ومركز الخليج للأبحاث حول "العلاقات الخليجية – الأمريكية" في النصف الأول من يناير 2009م؛ نقاش حول السيناريوهات المحتملة للسياسة الفعلية لباراك أوباما تجاه منطقة الشرق الأوسط. وقد تجاذب النقاش في ذلك المحور وفي الجلسات الأخرى (في وعلى هامش المؤتمر) فريقان؛ هما تحديداً فريق المتشائمين وفريق المتفائلين.
لم يكن أعضاء الفريقين – والذين كان أغلبهم من الخبراء والأكاديميين في العلاقات الدولية- من منطقة الشرق الأوسط فحسب؛ بل كان الفريقان يضمان عدداً كبيراً من أوروبا والولايات المتحدة ومناطق العالم الأخرى. ولقد كان جوهر النقاش يدور حول ما ورد في برنامج باراك أوباما من نقاط تجاه المنطقة، وكان معظم التركيز يدور حول إمكانية تطبيق الجوانب الإيجابية في ذلك البرنامج؛ كتطبيق خطة الانسحاب من العراق و مباشرة عملية السلام و تفعيل حل الدولتين، إلخ.
والغريب في الأمر أن فريق المتشائمين كان يضم عدداً لا بأس به من الأمريكان الذين كرروا القول إن "البرامج الانتخابية لا تعكس السياسة الحقيقة القادمة"؛ وكأن ألسنتهم تقول إن التغير والتحسن الذي سيأتي به أوباما يخص الوضع الأمريكي وحسب، سواء كان ذلك في الأمور الاقتصادية أو غيرها من الأمور المتعلقة بالشأن الأمريكي، أما الإيجابيات الأخرى تجاه المنطقة فقد لا تشكل سياسة فعلية.
في المقابل كان فريق المتفائلين (والذي لا أخفي أنني كنت منه) يركز على قوة النقاط الإيجابية في البرنامج وعلى أن تفعيل تلك النقاط يصب في المصالح الفعلية للولايات المتحدة - ودول المنطقة- ولاسيما إيجابية تفعيل خطط السلام وحل الدولتين وتجميد المستوطنات وأن المنطقة كذلك بدورها تنتظر ذلك التغير (Change) الذي يقول به أوباما. وأن سياسة سلفه لا يجب أن تكون النمط (أو المقياس) السائد؛ بل إن نصيب المنطقة من التغير عن سياسة الإدارة السابقة هو الأمر الطبيعي حسب الطرح الذي تبناه أوباما في حملته الانتخابية.
يدرك المراقب لفترة حكم أوباما خلال المائة يوم الأولى بأن التغير الذي كان يقول به أصبح يتبلور شيئاً فشيئاً كحقيقة في سياسة الولايات المتحدة تجاه المنطقة؛ ابتداءً من تفعيل مسار عملية السلام بتعيين جورج ميتشل وطرح حل الدولتين وتكثيف الجهد الدبلوماسي، إلخ، ومروراً بالتطبيقات الأخرى في العراق وتجاه دول المنطقة، سواء كان ذلك عن طريق الدبلوماسية الجديدة أو حتى عن طريق فتح الحوار المباشر مع كافة الدول المعنية.
وعلى الرغم من أن المائة يوم الأولى من عهد أوباما قد لا تكون كافية للحكم على طريق مسار السنوات القادمة إلا أنها على الأقل توحي بأن الرئيس الأمريكي الجديد ملتزم أكثر من سابقيه في تطبيق وعوده الانتخابية، ولاسيما تلك الوعود التي تخص المنطقة. يقال كل ذلك دون إغفال أن المسار القادم قد يكون الأصعب وخصوصا أن هناك معوقات قد تشكل لهذا المسار عثرات؛ والتي يأتي على رأسها سياسة (وضغط) اللوبي الصهيوني وردود فعل حكومة نتنياهو والخلاف الفلسطيني- الفلسطيني وأفعال وردود أفعال جميع الأطرف المعنية.