اقتصادنا .. عاداتنا.. والكبسة

أريد أن أضيف إلى الذين يطالبون بتوزيع موارد الدخل، المطالبة بتوطين جوانب الصرف. الأمن الاقتصادي ضرورة ملحة. كما أن كل إنسان يحب أولاده دائمـا (وزوجته في كثير من الأحيان!!) ويحرص على مستقبلهم ويسعى جاهدا أن يعيشوا في رفاه من العيش. فنحن بشكل جماعي أيضا يجب أن نحب أبناءنا ونحرص على مستقبلهم بشكل جماعي. والرفاه الاقتصادي يكون حين تتوافق رغبات الإنسان مع قدراته. وبما أننا نحاول أن نزيد القدرات فلنحاول أيضا أن نحور الرغبات لتتواءم مع الموجود أو الأرخص. نحن لدينا 16 مليون نسمة مرشحة أن تكون 30 مليون نسمة في غضون سنوات ليست بعيدة.
الوجبة الرسمية في اسكوتلندا هي الـ "هاجيس" وتصنع من أحشاء الخروف الاسكتلندي. وفي اليابان الـ "سوشي" ويصنع من السمك الياباني، وفي السعودية "الكبسة" وتصنع من الرز الهندي! والحقيقة أنه ليس من الذكاء انتقاد "الرز" في السعودية لأن لوبي الرز في السعودية أقوى من لوبي السلاح في الولايات المتحدة أو الحزب الشيوعي في الصين! ولأن انتقاد الرز في السعودية مثل انتقاد الشيوعية في الاتحاد السوفياتي أيام الستينيات الميلادية! ولأن "الرزّازين" في السعودية أكثر من الأكراد في كردستان! ولو كان هناك ناد سعودي اسمه نادي الرز لتركت الجماهير الأربعة الكبار وشجعوا فريقين: نادي الرز والمنتخب!
شئنا أم أبينا نحن نسكن جزيرة العرب حيث تسيطر الصحاري على معظم المساحة. ولذلك يجب أن نركز على خيرات البيئة الشحيحة فنحبها أولا، ونطورها ونخلق مراكز البحث لتطوير كل ما هو متوافر لدينا ثانياً. ولذلك فالمسألة برمتها تعود إلى عاملي التقنية والترويج. فكلما زادت المعرفة والتقنية، استطعنا أن نخلق من المتوافر لدينا منتجات أفضل و قرَّبنا هذه المنتجات من أذواق الناس أكثر. من جهة أخرى يجب أن نروِّج للموجود لدينا حتى تقترب أذواق الناس منه أكثر.
والحقيقة أنني أستغرب حين أدخل بعض الجامعات وأجد أبحاثا لموضوعات مهمة بلا شك ولكن ليست بأهمية التركيز على أمننا الاقتصادي. خذ على السبيل المثال النخيل والذي يعد من أكثر الأشجار التي تصبر على بيئتنا الجافة. عدد الشركات التي تعمل في تصنيع التمور على مستوى بحثي متطور قليل جدا. نحن نحتاج إلى أضعاف هذه الشركات لكي نستفيد من النخلة. والجمل سفينة الصحراء ولكن لدينا أكبر مزارع حليب أبقار في العالم وليس لدينا مزارع متخصصة في منتجات الإبل. ولدينا أطول شواطئ مقارنة بعدد السكان، لكننا نستورد 70 في المائة من الاستهلاك السمكي. أثلج صدري أن مجموعة شباب سعوديين أسسوا مطعما لبيع الحاشي برغر، وهو جزء من دفع منتجاتنا المحلية باتجاه أذواق المستهلكين.
الجانب الثاني: هو دفع أذواق الناس لقبول الموجود والمحلي. والحقيقة أن الأذواق مسألة نسبية من الممكن تغييرها. ولذلك يجب ألا يفرض على الناس ما يتناولون، ولكن أن تخلق ثقافة معينة يستجيب لها الناس طواعية. خلق هذه الثقافة مسؤولية جماعية تشترك فيها وزارات الزراعة والإعلام والتعليم والتخطيط، والمواطن نفسه. والعادات صنعة وليست طبيعة. فالذين يأكلون الأفاعي في الصين يأكلونها لأنهم يحبونها وليس لأن أعينهم الصغيرة لا ترى الطعام جيدا! وجيل (أبو كشة) الذي يحب البرغر والبيتزا جاء من سلالة جيل الشاورما والبروستد والذي بدوره جاء من جيل القرصان والمرقوق!
ليس المقصود من المقال المطالبة بتحقيق الاكتفاء الذاتي في كل شيء. ولكن الاقتراب أكثر مما هو متوافر وسهل الحصول عليه ومتناسب مع طبيعتنا، التي يكاد يستحيل تغييرها، يزيد في قوتنا واستقرارنا الاقتصادي.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي