إلغاء نظام الكفيل قرار لا يحتمل التأخير
يتذرع القطاع الخاص بحجج واهية باطلة في تبرير رفضه توظيف العمالة المواطنة تفادياً لقول الحقيقة التي ندركها جميعاً وهي أن محاربته عملية السعودة مردها أولاً وأخيراً تدني تكلفة العمالة الأجنبية بفضل "نظام السخرة" المسمى نظام الكفيل، الذي يمكن القطاع الخاص من إبقاء أجور العمالة الأجنبية عند مستويات متدنية جداً تتناسب مع مستويات أجور تلك العمالة في بلدانها الأصلية لكنها لا تتناسب مطلقا مع معدلات الأجور التي يفترض أن تسود في سوق العمل السعودي أو تتناسب مع مستويات المعيشة في المملكة. وكنت قد كتبت في هذه الجريدة مقالاً في كانون الثاني (يناير) 2006 بعنوان "يلزم تعديل نظام الكفيل لتنجح السعودة", اقترحت فيه إلغاء نظام الكفيل في المملكة, الأمر الذي يسمح بارتفاع أجور العمالة الأجنبية بصورة تضيق الفجوة الهائلة بين مستويات أجورها ومستويات الأجور العادلة المناسبة للعمالة المواطنة المؤدية للعمل نفسه، ما يسمح بتحسن فرص العمل المتاحة للعمالة السعودية ويرفع من معدلات أجورها في القطاع الخاص. لذا سرني أن مملكة البحرين، التي بالمناسبة تقود حاليا حركة إصلاح أسواق العمل الخليجية من خلال إطلاق مبادرات متتالية تستهدف الحد من سيطرة وهيمنة العمالة الأجنبية وزيادة فرص العمل للمواطن البحريني، أصدرت قرارا بإلغاء نظام الكفيل بحيث يصبح استقدام العامل الأجنبي بموجب عقد مدته سنتان وليس بموجب كفالة، ما يسمح للعامل الأجنبي، حتى قبل إكمال مدة عقده، في الانتقال إلى عمل آخر دون الحاجة إلى موافقة من قام باستقدامه، وهذا العامل مطالب فقط بإعطاء إنذار مدته ثلاثة أشهر قبل موعد تركه العمل.
فطالما أن السماء لا تمطر وظائف حكومية للمواطن فإنها يجب ألا تمطر أيضا عمالة أجنبية متدنية الأجر للقطاع الخاص، إلا أن واقعنا يظهر أن هذه السماء لا تقوم بالأول بينما تقوم بالثاني بكل اقتدار ويسر، بفضل نظام الكفيل والباب المشرع للاستقدام، وهو ما يظهر الضعف الذي تتعامل به وزارة العمل مع القطاع الخاص الذي حولها من مدافع عن الحلقة الأضعف في هذه السلسلة، وهو الشاب العاطل عن العمل أو الذي يعمل بأجر لا يفي حتى بأبسط حاجاته، إلى مدافع عن مؤسسات القطاع الخاص التي لا هم لها ولا أولوية عندها عدا تحقيقها أكبر ربح ممكن وفي أقصر فترة ممكنة، حتى وإن أغرقت بلادنا بمختلف الأزمات الاجتماعية والأمنية. لذا أصبح مسؤولو وزارة العمل يرددون مقولات القطاع الخاص، تبريرا فيما أظن لعجزهم عن تحقيق أي من أهدافها، وغدت هذه الوزارة في دوامة بين إصدار قرارات سعودة تليها قرارات بإلغائها أو تأجيلها، وأصبحت تتفنن في فتح الطرق أمام القطاع الخاص لاستقدام العمالة الأجنبية بما في ذلك أن يقوم هذا القطاع بمنح نفسه تأشيرات العمل من خلال الغرف التجارية. أي أنها تقوم بكل ما بوسعها لتمطر السماء عمالة أجنبية متدنية الأجر للقطاع الخاص فيما يحتبس القطر في سماء الوظائف الحكومية على المواطن الباحث عن وظيفة تؤمن حاجته وتستر عوزه، وبين هذه السماء الممطرة وتلك الممسكة تاه من وليت وزارة العمل أمانة حمايته والدفاع عن حقوقه.
إن إلغاء نظام الكفيل أحد أبرز الخيارات المتاحة أمام وزارة العمل إن كانت عازمة فعلا على حماية المواطن طالما أنها لا تستطيع لجم جشع وشراسة القطاع الخاص في دفاعه عما يعده حقا مكتسبا لاستقدام العمالة الأجنبية ورفض توظيف المواطن بأجر مناسب. حيث إن إتاحة الفرصة أمام العمالة الأجنبية للانتقال من عمل إلى آخر دون إذن صاحب العمل سيضطر صاحب العمل إلى منحها الأجر الذي تستحقه وفق معطيات سوق العمل في المملكة، ما يحد من حافز انتقال العامل إلى عمل آخر, وبالتالي ترتفع مستويات الأجور في المملكة بما يساعد على تحسين جاذبية توظيف المواطن. وإن كان القطاع الخاص صادقاً في ادعائه أنه يوظف العمالة الأجنبية، ليس بسبب تدني أجورها وإنما بسبب ما تملكه من مهارات واستعداد للعمل لا يملكه المواطن، فإنه لن يعارض مثل هذا الإجراء، ومعارضته له اعتراف صريح ببطلان ادعائه وتأكيد لخشيته من أن يترتب على ذلك ارتفاع في أجور العمالة الأجنبية بصورة تضعف جدوى توظيفها ويحد من أرباح هذا القطاع المتأتي من استغلاله الجائر لها، نتيجة الفرق الهائل بين أجورها الفعلية وأجورها المستحقة وفق معطيات سوق العمل في المملكة.
إلا أن وزارة لم تستطع حتى سعودة سيارات الأجرة الخاصة، رغم أنها من بين أفضل الأعمال إمكانية لأن تتم سعودتها، وتُتبع كل قرار سعودة بقرار تأجيل أو إلغاء، لن تكون قادرة في ظني على تبني قرار من هذا النوع يقف في مواجهة مباشرة مع مصالح القطاع الخاص، وحتى إن هي أصدرته فستضع، وبضغط من القطاع الخاص، معوقات أمامه تجعل إمكانية تطبيقه بصورة تحقق الهدف منه أمراً مستحيلاً، أو أن تستمر في فتح باب الاستقدام على مصراعيه بحيث تتشبع السوق المحلية بالعمالة الأجنبية بصورة تمنع من ارتفاع أجورها, فلا يجد العامل الأجنبي أي حافز للانتقال إلى عمل آخر بالتالي يفشل إلغاء نظام الكفيل في تحقيق أهدافه.