هل بدأ انتعاش الاقتصاد في الولايات المتحدة؟
رغم أن الاقتصاد الأمريكي ما زال مستمراً في الانحدار، إلا أن سقوطه لم يعد مستمراً بالسرعة نفسها التي كان عليها في بداية العام أو في الأسابيع التالية لانهيار ليمان براذرز في أيلول (سبتمبر) 2008. وبهذا المعنى فمن المعقول أن نقول إننا ربما تجاوزنا المرحلة الأسوأ من دورة الانحدار الاقتصادي.
بيد أن قراءتي الأدلة لا تتفق مع قراءة هؤلاء الذين يزعمون أن الاقتصاد أصبح الآن في طريقه نحو التحسن، وأن الانتعاش الدولي المستدام من المرجح أن يبدأ في غضون الأشهر القليلة المقبلة. ورغم أن حزمة التحفيز المؤلفة من خفض الضرائب وزيادة الإنفاق الحكومي، والتي أقِرَت في وقت سابق من هذا العام، ستعطي دفعة مؤقتة للنمو، فمن غير المرجح أن نشهد بداية التحسن المستدام قبل حلول العام المقبل على أفضل تقدير.
يبني المتفائلون مزاعمهم حول بداية الانتعاش الاقتصادي في وقت أقرب من المتوقع على مجموعة متنوعة من الإحصائيات. فقد لاحظوا أن أنشطة البناء في ارتفاع، وأن أسعار المساكن تنحدر بمعدلات أبطأ، وأن الدخل الشخصي المتاح سجل زيادة أثناء الربع الأول من هذا العام، وأن مستويات الإنفاق الاستهلاكي قد ارتفعت، وأن سوق العمل بدأت في التحسن.
غير أن النظرة المتأنية إلى هذه البيانات لن تبث فينا القدر نفسه من الطمأنينة. ففي كل من الحالات السابقة لا تؤيد التفاصيل ما يشير إليه الرقم الوارد في العنوان الرئيس.
ورغم أن إجمالي الإنفاق على البناء سجل ارتفاعاً طفيفاً للغاية في الآونة الأخيرة (0.3 في المائة، أو ما يقل عن هامش الخطأ في القياس)، فقد سجل إنفاق القطاع الخاص على مشاريع البناء هبوطاً ملموساً، كما سجلت مشاريع بناء الوحدات السكنية هبوطاً بلغ 4 في المائة.
وعلى نحو مماثل، انحدرت أسعار المساكن بمعدل سريع بلغ 18.7 في المائة أثناء الأشهر الـ 12 التي سبقت آذار (مارس)، وهذا لا يقل كثيراً عن الهبوط الذي بلغ 19 في المائة أثناء الأشهر الـ 12 التي سبقت شباط (فبراير). ثم جاء آخر انحدار شهري متفقاً مع معدل سنوي يتجاوز 25 في المائة.
فضلاً عن ذلك فإن ارتفاع مستوى الدخول الشخصية المتاحة للإنفاق أثناء الربع الأول كان راجعاً للقفزة الهائلة التي سجلتها رواتب المعاشات التقاعدية وزيادة حجم التخفيضات الضريبية. وفي المقابل سنجد أن الرواتب، ودخول العاملين لحسابهم الخاص، وأرباح الأسهم، وأسعار الفائدة، سجلت هبوطاً واضحاً. بيد أن هذا الوضع الشاذ المتمثل في ارتفاع مستويات الاستهلاك، والذي لم يكن ناتجاً إلا عن زيادة التخفيضات الضريبة وإعانات الرعاية الاجتماعية، قد انتهى في آذار (مارس)، حين هبطت مستويات الإنفاق الاستهلاكي نتيجة لتناقص فرص العمل وانحدار دخول العاملين. ولقد تأكد هذا بانخفاض مبيعات التجزئة في نيسان (أبريل).
وأخيراً، ما زالت فرص العمل مستمرة في الانكماش بسرعة. ورغم تباطؤ سرعة الانحدار بين شهري آذار (مارس) ونيسان (أبريل) فإن نصف هذا التحسن كان راجعاً لزيادة في الوظائف الحكومية نتيجة لاستئجار أكثر من 60 ألف موظف مؤقت لمرة واحدة لإجراء التعداد السكاني لعام 2010.
ولكن مع أن الأنباء الأخيرة ليست مشجعة كما ادعى البعض فأنا أتوقع أن تشهد الأشهر القليلة المقبلة بعض التحسن الحقيقي الذي سوف يقلل من مستوى الانحدار الاقتصادي الإجمالي، أو يؤدي حتى إلى ارتفاع مؤقت في معدل نمو الناتج المحلي الإجمالي نتيجة لتدابير التحفيز المالي التي أقرتها إدارة أوباما.
ستضيف حزمة التحفيز نحو 60 مليار دولار إلى مجموع الناتج المحلي الإجمالي أثناء نيسان (أبريل) و أيار (مايو) و حزيران (يونيو)، أو نحو 1.5 في المائة من الناتج خلال ربع العام هذا. ولكن حين تظهر التقارير الخاصة بأرقام الناتج المحلي الإجمالي عن الربع الثاني في وقت لاحق من هذا الصيف فإن خبراء الإحصاء العاملين لدى الحكومة سيحسبون هذه الزيادة التي بلغت 1.5 في المائة على أساس سنوي فيضيفون بذلك 6 في المائة حين يقدرون معدل النمو السنوي. وإذا ما استمر النشاط الاقتصادي بعيداً عن حزمة التحفيز في الانحدار بمعدل سنوي يقرب من 6 في المائة، طبقاً لما تم تسجيله أثناء الربعين الأخيرين، فإن الدعم المؤقت الناتج عن حزمة التحفيز سيكون كافياً لجعل إجمالي التغير في الناتج المحلي الإجمالي قريباً من الصفر، بل وربما يكون إيجابياً.
ولكن من الأهمية بمكان أن نضع في الحسبان أن تأثير حزمة التحفيز يشكل ارتفاعاً لمرة واحدة في مستوى النشاط الاقتصادي، وليس تغيراً مستمراً في معدل النمو. وفي حين أن هذه الزيادة لمرة واحدة ستظهر في الإحصائيات الرسمية باعتبارها ارتفاعاً مؤقتاً في معدل النمو، فليس هناك ما يمكن القيام به لحمل معدل النمو الأعلى هذا على الاستمرار أثناء الأرباع التالية. لذا فسوف نشهد بحلول نهاية العام تحسناً طفيفاً في مستوى الناتج المحلي الإجمالي، ولكن من المرجح أن يعود معدل نمو الناتج المحلي الإجمالي إلى المنطقة السلبية.
إن الأثر الإيجابي الذي خلفته حزمة التحفيز ليس من الضخامة، حيث يكفي ببساطة للتعويض عن التأثير السلبي الناجم عن الانخفاض الكبير في ثروات الأسر الأمريكية، والانحدار في بناء الوحدات السكنية، والنظام المصرفي المختل العاجز عن خلق المزيد من فرص الائتمان، والاتجاه الهابط لأسعار المساكن. لقد عملت إدارة أوباما على تبني بعض السياسات الرامية إلى عكس اتجاه هذه التأثيرات السلبية، ولكن في اعتقادي أن هذه السياسات ليست كافية لتحويل الاقتصاد نحو الاتجاه الصاعد وإنتاج انتعاش اقتصادي مستدام.
أما وقد قلت ذلك، فلابد وأن أذكر أن هذه السياسات ما زالت تحت التنفيذ، وإذا ما تعززت أثناء الأشهر المقبلة ـ بحيث تساعد في زيادة الطلب، وتثبيت النظام المصرفي، ووقف الانحدار في أسعار المساكن ـ فليس من المستبعد أن نشهد بداية الانتعاش المستدام في عام 2010. وإن لم يحدث ذلك فلن يكون بيدنا أي شيء غير الانتظار والرجاء.