بلاد الأشياء الأخيرة
عندما كتب بول أوستر روايته الشهيرة "في بلاد الأشياء الأخيرة" عام ???? كان يضع تصوراً للرعب الحقيقي الذي يخشاه البشر، أرضٌ تتسرب منها المثل والأخلاقيات والدين كما تتسرب المياه من كوب مثقوب!
تروي الحكاية قصة آنا بلوم التي تنتقل للمدينة بحثاً عن أخيها بعد اختفائه، وتصف في يومياتها الحالة المزرية التي وصلتها الإنسانية هناك.
كلّ شيء يفقد قيمته تدريجيا التكنولوجيا والصناعات والوظائف المهمّة وحتى البشر، يتسابقون في إنهاء حياتهم بطريقة أو بأخرى.
عيادات القتل الرحيم وأندية الاغتيال والانتحار الجماعي كلّ ذلك بعد أن يفقد الأفراد أملهم في العيش، ويستبد بهم الجوع والبرد الجوع الذي وصفه بول أوستر على لسان بطلة الرواية بقوله: "الجوع لعنة يوميّة والمعدة حفرة معدومة القعر، ثقب بحجم الكون".
في بلاد الأشياء الأخيرة يتحول البشر إلى أحجار تسير على غير هدى، خيالات تئن تحت وطأة الهزال وتبحث عن فريسة "بشرية" أو خردوات بين أكداس النفايات التي يمضي الوقت دون أن يهتم أحد في تنظيفها!.
واجهت صعوبة كبيرة في تجاوز صفحات الرواية، ذات الشعور واجهته في قراءتي للطاعون لألبير كامو والعمى لجوزيه ساراماغو.
الوصف العميق للإنسان عندما يفقد حياته كما يعرفها ويتمسك بهدف وحيد أن يبقى حياً وبكامل أعضائه!.
تصور الرواية أيضاً خطورة غياب القانون، ذلك النظام الذي يضبط تعامل الإنسان مع أخيه الإنسان.
يريد الكاتب أن يصوّر لنا أن هذه القوانين الصارمة هي التي تكبح بعض الأشخاص عن أذية الآخرين بسبب خوفهم من المساءلة، وما إن تسقط حتى يتحولوا إلى وحوش ضارية تقتل وتسرق وتقتلع الأضراس بحثاً عن المادة.
مدينة الأشياء الأخيرة حسبتها في البدء شيكاغو برياحها التي لا يتنبأ بها، أو نيويورك بجبالها الأسمنتية!
في الحقيقة هي البلاد كلّها عندما نفقد روحنا وإنسانيتنا، وأبطالها يعيشون بيننا وفي كل مكان.