هل يُفلت "أوباما" من قبضة الشيوخ؟!
تعالت أصوات الفرح والتفاؤل في العالمين العربي والإسلامي عقب الخطاب التاريخي للرئيس الديموقراطي الأنيق "باراك حسين أوباما" في القاهرة, وسر هذا الفرح يكمن في كون الخطاب يمثل أول خطاب رئاسي أمريكي يتعاطف بشكل صارخ مع المسلمين ويمارس ضغطاً حقيقياً على إسرائيل وهو ما لم تعتد عليه دوائر صُنع القرار في الولايات المتحدة الأمريكية نفسها.
ففي الوقت الذي انشغلت فيه وسائل الإعلام العربية بنقل أصداء الخطاب في الدول الإسلامية, تناست أن هناك أصداءً أكثر أهمية تقبع خلف المحيط الأطلنطي ولا بد من الاستماع لها لمعرفة مدى قابلية استمرار النظرة الحالمة التي تركها الخطاب في أعين المسلمين حول العالم.
إن مشكلتنا في العالم الإسلامي أننا نتعاطى مع خطابات الرؤساء الأمريكيين على أنها دساتير لحكوماتهم, وليس من المستغرب إن خرجت علينا وسائل إعلام عربية تؤكد أن خطاب "أوباما" يمثل خريطة طريق جديدة لعلاقات الولايات المتحدة الأمرييكية مع دول العالم الإسلامي, مع أن هذا أمر لا يمكن أن يكون صحيحاً إلا بموافقة السادة البيض الجالسين خلف مكاتبهم هناك في الكونجرس الأمريكي مع كامل الاحترام للفرحة العربية الإسلامية العارمة.
إن من يضع استراتيجيات السياسة الأمريكية تجاه القضايا السياسية في العالم ليس فرداً لبقاً محباً للسلام، وينظر بعين الاحترام والتقدير للقضايا الإسلامية حتى إن كان رئيساً منتخباً من الشعب الأمريكي نفسه, فهو في نهاية المطاف رأس للسلطة التنفيذية لا التشريعية الممثلة في الكونجرس المكون من مجلسي الشيوخ والنواب. ومن المعلوم أن الرئيس الأمريكي لا يستطيع نقض أي قانون حظي بموافقة ثلثي أصوات الكونجرس, فما بالكم بالمواقف السياسية الخاصة بالحكومة الأمريكية تجاه القضايا الدولية المختلفة, هذا بجانب أن الكونجرس بشقيه (الشيوخ, والنواب) يمارس دوراً رقابياً صارماً على السلطة التنفيذية. وقد يعقد الكونجرس جلسات استماع للتحقيق في عمليات وأعمال هذه السلطة للتأكد من أنها تطبق القوانين والتشريعات بشكل سليم.
عندما قرر الرئيس الأمريكي السابق (جورج دبليو بوش) غزو العراق لم يكن بإمكانه ذلك لولا موافقة الكونجرس الذي منحه الصلاحيات لشن الحرب بالأغلبية وقد اشترط الكونجرس آنذاك عودة الرئيس إليه كل 60 يوما في حال لجوئه إلى العمل العسكري, أي باختصار أن الذي اتخذ قرار الحرب فعلياً هو الكونجرس وليس الرئيس السابق, وهذا ما يجب أن يفهمه ملايين الفرحين بالخطاب الرئاسي الجديد قبل أن تسيطر عليهم الأفكار الحالمة التي ستصطدم بصخور الواقع, فالكونجرس الذي نتحدث عنه مكون من الجمهوريين والديموقراطيين, ونحن نعلم حقيقة مواقف الجمهوريين تجاه القضية الفلسطينية, أما إن قررنا أن نبني الأحلام على مواقف الديموقراطيين الذين يصطفون خلف الرئيس الجديد وهو أمر ليس مأمون النتائج, فيجب أن نستمع إلى ردود فعلهم على الخطاب أولاً, حيث ذكرت وكالة الأنباء الفرنسية بعد الخطاب التاريخي أن خطاب الرئيس الأمريكي باراك أوباما واجه انتقادات داخل الولايات المتحدة من قبل بعض الديموقراطيين الذين اعتبروا أنه مضى أبعد مما ينبغي في الضغط على إسرائيل من أجل وقف الاستيطان, وقال النائب الديموقراطي أنتوني واينر "أعتقد أن الرئيس مضى أبعد مما أعتبره مناسبا لنا في التعاطي مع ديموقراطية أخرى". وتابع "إن أي كلام عن المستوطنات ينبغي أن يتزامن مع مجهود فعلي من جانب الفلسطينيين حتى يكون منطقيا" كما واجهت تصريحات أوباما انتقادات غير اعتيادية من جانب شخصيات ديموقراطية, وهي تعكس الدعم القوي لإسرائيل من قبل الحزبين الديموقراطي والجمهوري في الكونجرس.
والسؤال المهم الآن هو هل سيُفلت أوباما بتصريحاته التي أشعلت الأحلام العربية من الشيوخ والنواب, وهل سيستطيع تحويلها إلى واقع ملموس؟ .. لننتظر الإجابة من الأيام القادمة.