سوق عقود التخلف عن سداد الديون

الأسواق المالية بطبيعتها تقدم حلولاً متنوعة لكافة المتعاملين، وذلك يشمل تقديم خدمات التأمين على سندات الشركات والسندات السيادية من خلال ما يعرف بعقود التخلف عن السداد، أو عقود التعثرات الائتمانية CDS، وهي التي انتشرت بشكل كبير ما قبل الأزمة المالية العالمية 2008، وطالتها انتقادات كبيرة هي وغيرها من المشتقات المالية، إلا أنها لا تزال قائمة ونشطة. هل يمكننا كأفراد ومؤسسات الاستفادة من المعلومات المتوافرة في سوق عقود التخلف عن سداد الديون، أم أنها حكر على كبار المتعاملين في أسواق الدين؟

ببساطة هذه العقود تباع وتشترى من خلال مؤسسات مالية متخصصة، والهدف من شرائها التأمين ضد مخاطر تخلف الجهة المصدرة عن السداد، سواء التأخر في سداد العوائد الدورية أو الإفلاس أو أي تغييرات في ضوابط وشروط السندات، والجهة المصدرة قد تكون دولة أو شركة، ولهذه العقود سعر يومي يتغير بحسب زيادة أو نقص مخاطر الائتمان الخاصة بالجهة. فمثلاً هذه الأيام نجد أن التأمين على السندات الحكومية المصرية يكلف نحو 5% سنوياً، تدفع عادة كل 3 أشهر، وهذه نسبة من القيمة الاسمية للعقد البالغ عادة 10 ملايين دولار، فمثلاً من لديه سندات مصرية قيمتها 100 مليون دولار، سيحتاج إلى دفع 5 ملايين دولار سنوياً كتأمين ضد مخاطر التخلف عن السداد. ومن يملك المبلغ نفسه في السندات التركية سيدفع 2.5 مليون دولار سنوياً، وسيدفع مبالغ أقل من ذلك على التوالي لسندات جنوب إفريقيا والبرازيل والمكسيك وإسرائيل والهند وإندونيسيا، وسيدفع فقط 60 ألف دولار للتأمين ضد تخلف السندات السويسرية.

كيف يحصل مشتري عقود التخلف عن السداد على التعويض؟

هذه العقود تباع وتشترى بشكل يومي ويمكن الخروج منها في أي وقت، لكن في حال حدث تخلف عن السداد، بحسب ما تقره المنظمة المعنية بهذه العقود، تعلن حالة تعثر عن السداد ويقام مزاد لتحديد السعر السوقي للسندات، وأي فرق عن القيمة الكلية يتحمله بائع العقود، فمثلاً في حادثة إفلاس بنك "ليمان براذرز" بلغت قيمة السندات التي أصدرها البنك فقط 9% من قيمتها الأساسية، فقامت الجهة التي باعت عقود التخلف عن السداد بتحمل 91% من قيمة السندات ودفعها لحاملي عقود التخلف عن السداد، وليس لملاك السندات الذين تلقوا خسارة كبيرة، عدا بالطبع من كانت لديه هذه العقود.

ما الدور الحقيقي لعقود التخلف عن السداد في الأزمة المالية 2008؟

كما يتضح مما سبق، فهناك تغطيات تأمينية ضخمة ضد تخلف مصدري السندات عن السداد، وفي أزمة 2008 كانت المشكلة انهيار سوق الرهن العقاري المبني على عقود هشة تم تقديمها بضمانات بسيطة وسجلات ائتمانية ضعيفة، وكانت شركات التأمين وغيرها من جهات متخصصة تقوم بتحرير عقود من هذا النوع (لأنها مربحة) دون مراعاة لما تنطوي عليه من مخاطر السداد بدلاً عن الجهة المتعثرة، وعلى وجه الخصوص كانت هناك مضاربات على العقود، فكان هناك من يشتريها للتربح وليس للتأمين ضد سندات يملكها، وفي الوقت نفسه كانت شركات التأمين تبيع عقودا بمبالغ أكبر بكثير من حجم السندات نفسها، نتيجة غياب الأنظمة والرقابة الحكومية.

كيف تمت معالجة الخلل في هذه العقود؟

حين تبين للجهات الرقابية ضرورة السيطرة على السوق أصبح إلزامياً على البائع استخدام آلية التسوية اليومية مع مركز مقاصة رسمي، بحيث يتم يومياً، كما يحدث في العقود المستقبلية، عمل مقاصة تضمن وجود مبالغ كافية لدى بائع العقود للالتزام بحجم ما أبرمه من عقود.

ماذا تعني هذه العقود للمتابعين من مؤسسات وأفراد؟

أول فائدة للمتابع هي أن الحركة اليومية لهذه العقود تعطي دلالات على احتمال تعثر الجهة، حكومة أو شركة، ومنها يعرف توجه تكلفة الاقتراض على الجهة، فمثلاً تكلفة مخاطر السداد على مصر انخفضت بشكل كبير من نحو 18% قبل عامين إلى 5.3% حالياً، ما يعني انخفاض تكلفة الاقتراض على مصر، لاحظ أنه إذا كانت تكلفة عقود التخلف عن السداد 10% فمن الضروري أن تكون تكلفة الاقتراض أعلى من ذلك بكثير. كذلك يستفاد من هذه العقود في التحوط لمن يملك أيا من هذه السندات، أو من يملك صناديق سندات مرتبطة بها، ويمكن أن يتم ذلك عن طريق أحد البنوك أو من خلال سوق العقود المستقبلية التي فيها عقود خاصة بمؤشرات عقود التخلف عن السداد، أي شراء تأمين خاص بمجموعة من الشركات وليس شركة واحدة فقط. الفائدة الأخرى أن الحركة اليومية لهذه السوق مفيدة لمتخذي القرار ومتابعي التطورات المالية والاقتصادية.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي