صناعة التأمين في مجتمع "عفوي"
إن رساميل شركات التأمين مكونة أساساً من أموال المساهمين فيها ومن أموال المؤمَّن لهم، وأن الحصول على أي تعويض بدون وجه حق من هذه الشركات هو أمر في غاية الخطورة".
لا يكاد يختلف اثنان على أن صناعة التأمين في السعودية أصبحت بفضل اهتمام الدولة وحاجة المجتمع لها من أهم الصناعات التي تشكل اقتصاد الدولة، إذ شهدت سوق التأمين السعودية نمواً كبيراً في عام 2008، حيث بلغ إجمالي أقساط التأمين نحو 10.9 مليار ريال، بارتفاع 27 في المائة مقارنةً بعام 2007.
لقد ولدت هذه الصناعة الجديدة في مجتمع "عفوي" لا يملك الكثير من ثقافتها المهمة، وأقصد هنا أن أغلب أفراد المجتمع لا يكترث كثيراً بقراءة وفهم وثيقة التأمين (عقد التأمين) عندما يرغب في التعاقد مع شركة تأمين، وسواءً أكان الراغب في التعاقد مع شركة التأمين شخصا طبيعيا أو اعتباريا، فإنه يجب عليه قبل التعاقد قراءة وثيقة التأمين بعناية وفهم شروطها وأحكامها واستثناءاتها فهماً صحيحاً لا يترك مجالاً للشك، وفي حال عدم وضوح أو فهم أي شرط أو استثناء، فإنه يتوجب عليه أن يطلب من شركة التأمين إيضاح هذا الغموض، وذلك لكي يعرف ماله من حقوق وما عليه من واجبات في ظل وثيقة (عقد) التأمين.
وإذا تبين للمؤمن له أن له رغبة أو حاجة في توسيع نطاق التغطية التأمينية لتشمل تغطية منافع إضافية لا تغطيها وثيقة التأمين القياسية (الاعتيادية)، فينبغي عليه أن يستفسر من شركة التأمين أو من وكيل التأمين أو وسيط التأمين الذي يتعامل معه عن مدى إمكانية توسيع نطاق التغطية التأمينية وعن الزيادة التي قد تطرأ على قسط (مبلغ) التأمين نتيجةً لهذه التوسعة، أو عن إن كانت هناك وثيقة تأمين أخرى تلبي احتياجاته.
إن الكثير من عملاء شركة التأمين يعتقد أنه عند وقوع خطر ما فإن وثيقة تأمينه تغطي خسارته أو مسؤوليته المدنية تجاه الغير دون أي قيد أو شرط، ودون أدنى مسؤولية عليه، وذلك لأنه ببساطة قد دفع قسط (مبلغ) التأمين لشركة التأمين (المؤمِّن) وحصل منها على وثيقة التأمين. وهذا بطبيعة الحال خطأ فادح يقع به الكثير، فوثيقة التأمين ما هي إلا عبارة عن عقد مثل كثير من العقود، إلا أنه يتميز بطبيعة خاصة تميزه عن بقية العقود، حيث تكمن هذه الطبيعة الخاصة في كونه عقد احتمالي، والعقد الاحتمالي بمفهومه البسيط هو العقد الذي يتوقف تحديد التزامات أطرافه على أمر خارجي قد يتحقق وقد لا يتحقق وغير معروف وقت تحققه.
ومن المهم في هذا المقام أن نوضح بأن التأمين يقوم بصفة أساسية على مبدأ مهم للغاية وهو مبدأ منتهى حسن النية Utmost Good Faith، لدرجة أن عقود التأمين وصفت بعقود منتهى حسن النية، ويقضي هذا المبدأ بأن يكون التعامل بين المؤمِّن والمؤمَّن له بصدق وشفافية وأن يُظهر كلاً منهما عند التعاقد جميع الحقائق المتعلقة بالتأمين ولا يُخفي أحد الطرفين أمراً جوهرياً عن الطرف الآخر، وقد يستمر هذا الالتزام أثناء سريان العقد، وفي حالة الإخلال به من قبل أي من الطرفين يحق للطرف الآخر فسخ العقد.
وفي عقود التأمين يجب أن يصل الطرفان للاتفاق على ثلاثة أُسس رئيسة للعقد، أولها هو طبيعة الخطر وموضوع التأمين (الشيء المراد تأمينه والأخطار المراد التأمين ضدها)، وثانيها هو مدة العقد، وثالثها هو قسط التأمين (أو على الأقل الاتفاق على الطريقة التي سيتم احتساب القسط على أساسها).
ولا يحتاج المؤمِّن أن يعطي طالب التأمين جميع تفاصيل بنود وثيقة التأمين مسبقاً، فيكفي أن يكون واضحاً لدى الطرفين أن التأمين سيكون على أساس وثائق المؤمِّن الاعتيادية لمثل هذا النوع من الأخطار (تأمين طبي، تأمين مركبات أو التأمين على محتويات منزل مثلاً)، وفي الحقيقة هناك افتراض في القانون على أن طالب التأمين يتقدم بطلب للحصول على وثيقة تأمين حسب شروط وثيقة تأمين المؤمِّن الاعتيادية، ومع هذا تقوم شركات التأمين في الغالب بالإشارة إلى هذه النقطة وذلك بإضافة نص مناسب بهذا الخصوص إلى استمارات طلب التأمين.
وبهذا فإنه يتضح لنا أن وثيقة التأمين (عقد التأمين) تحمل في طياتها التزامات على عاتق كلا طرفيها تماماً مثلما تحمل لهما من حقوق، وعليه فإنه يجب على طرفيها مراعاة هذه الالتزامات والحقوق وبذل العناية الكاملة لتحقيقها. كما ينبغي على المؤمَّن له مراعاة شروط وأحكام واستثناءات وثيقة التأمين، وبذل العناية الكافية للحيلولة دون وقوع الخطر المؤمَّن عليه أو تفاقمه في حال وقوعه كما لو كان غير مغطى تأمينياً، وينبغي عليه كذلك عدم مطالبة المؤمِّن بالتعويض عن خطر مستثنى أو غير مغطى بموجب الوثيقة.
وينبغي على المؤمَّن له والطرف الثالث (الطرف المضرور) أن يدركا أن رساميل شركات التأمين مكونة أساساً من أموال المساهمين فيها ومن أموال المؤمَّن لهم، وأن الحصول على أي تعويض بدون وجه حق من هذه الشركات هو أمر في غاية الخطورة، وأنه لا ينبغي على أي شخص يتحلى بضمير واع وذمة نقية أن يرتضي ذلك على نفسه. علاوةً على ذلك، فإن محافظة المؤمَّن له على سجل تأميني نظيف من شأنه بلا شك أن يصب في مصلحته أولاً وأخيراً.