غطاء "المسؤولية الاجتماعية"!

حتى وقت قريب لم يكن مفهوم المسؤولية الاجتماعية رائجاً في أوساط المال والأعمال في عالمنا العربي رغم أن هناك قلة من الشركات والمؤسسات التي كانت تخصص مبالغاً بسيطا من أرباحها السنوية للأعمال الخيرية, لكن مع شيوع ثقافة المسؤولية الاجتماعية وتسابق الكثير من الشركات والمؤسسات على القيام بدورها في هذا الجانب, عمدت بعض هذه الشركات والمؤسسات إلى تلميع صورتها أمام المجتمع بهدف ربحي بحت مستغلة شيوع المصطلح وبريقه في التسويق لمنتجاتها, فتجد أن الشركة التي تتباهى برعاية ودعم البرامج التنموية المختلفة, سواء كانت تعليمية أو صحية أو غيرها تعمد إلى توزيع مواد دعائية وتسويقية لمنتجاتها على المستفيدين من البرامج التي حصلت على الدعم, وبالتالي فإن المبالغ التي صرفتها تحت غطاء المسؤولية الاجتماعية ليست سوى قيمة حملة تسويقية لمنتجاتها, وهو أمر يتصادم بشكل سافر مع مفهوم المسؤولية الاجتماعية ويتنافى مع أخلاقياتها, لكنه ولحسن الحظ لم يعد ينطلي على المجتمع المستفيد في الآونة الأخيرة, نظراً لازدياد حدة المنافسة بين الشركات في هذا المجال والفرق الواضح بين الشركات التي تلتزم بمسؤوليتها بدوافع أخلاقية, وتلك التي تهدف إلى الربح المادي بشكل أساسي من وراء استخدام بريق المصطلح.
ولا تتوقف الاستفادة من (غطاء) المسؤولية الاجتماعية عند هذا الحد, فقد برز جيل جديد من المستفيدين غير الشرعيين من هذا الغطاء, وهو أمر يتطلب من أعضاء مجالس الشركات ومساهميها أن يراجعوا حساباتهم, وأن يدققوا جيداً في القنوات التي تصب فيها الميزانيات المخصصة للمسؤولية الاجتماعية والآلية التي يسير بها العمل, ويمكننا أن نضرب مثالاً بسيطاً يوضح الصورة التي لا نتمنى أن تسير عليها الأمور في قطاعنا الخاص.. حيث يمكننا افتراض أن شركة ما قررت دعم إحدى جهات القطاع الصحي أو التعليمي بأجهزة أو معدات أو غيرها, هنا يجب أن نعرف ماهي الجهات الوسيطة التي ستوفر هذه الأجهزة وهل ستوفرها بالقيمة الحقيقية أم بعشرة أضعاف قيمتها, وما مدى جودة هذه الأجهزة, وهذه مسألة مهمة للغاية, فأموال المساهمين قد تبدد بسبب الفساد الإداري تحت غطاء المسؤولية الاجتماعية, في الوقت الذي كان من المفترض أن يستفيد من هذه الأموال المجتمع لا الجهات التجارية الأخرى, وبعض المتنفذين في الشركات الداعمة.

أعتقد أن مجالس إدارة الشركات بحاجة إلى تشكيل جهات رقابية خاصة بمصروفات المسؤولية الاجتماعية تتبع لها بشكل مباشر, لضمان تحقق شرطين مهمين للغاية أولهما الحفاظ على أموال المساهمين, وثانيهما تحقيق الفائدة المرجوة من البرامج المخصصة لخدمة المجتمع عن طريق وضع استراتيجية واضحة بالتشاور مع وزارة الشؤون الاجتماعية والالتزام بها, فيمكن لأي شركة أن تصرف الملايين على ما تصرح بأنه يخدم المجتمع وينطلق من مبدأ التزامها بمسؤوليتها الاجتماعية رغم أنه لا يتعدى كونه مجموعة من الجهود المبعثرة التي لا فائدة للمجتمع منها.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي