الصدق أفضل سياسة لعلاج المالية العامة
ص8 ـ وولف ـ 6.24
لأبراهام لينكولن قول مشهور ورد فيه: "بإمكانك أن تخدع بعض الناس كل الوقت، وجميع الناس بعض الوقت، لكن ليس بإمكانك أن تخدع جميع الناس كل الوقت". وورد أن خلفا له، جورج بوش الابن، أضاف: "بإمكانك أن تخدع بعض الناس كل الوقت، وهؤلاء هم الفئة التي تريد التركز عليها". بعض السياسيين البريطانيين يودون اتباع هذه النصيحة بخصوص الجدل الدائر حول المالية العامة. ويبدو أن رفْض وزير المالية، أليستير دارلينج، القيام بذلك كان السبب الذي جعل رئيس الوزراء، جوردون براون، يرغب في إقالته. لكن دارلينج يستحق الثناء، وليس الإقالة، على نزاهته التامة.
جادلت في مقالين في الفترة الأخيرة، هما "فليتحرك صانعو السياسة قبل أن تتحرك الأسواق" (الاقتصادية 16/5/2009) و "أوقفوا حرب بريطانيا المالية" (الاقتصادية 9/6/2009)، بأن وضع المالية العامة أصبح يشكل تحدياً هائلاً على المدى المتوسط. وهو كذلك من الأعراض الواضحة للإخفاق المريع في السياسة المالية، ذلك أن صافي الاقتراض الخاص الهيكلي في القطاع العام، حسب تقدير وزارة المالية، يبلغ 9.8 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي للسنة المالية الحالية.
هذا الرقم المرعب نتيجة لأربعة أخطاء: تقدير مبالغ فيه للناتج المحلي الإجمالي المستدام، وتراجع وضع المالية العامة في السنوات السابقة على الأزمة، والمبالغة في الإيرادات المستدامة، والاندفاع الكبير في الإنفاق الحقيقي نتيجة للتضخم المتدني غير المتوقع.
لذلك يتوقع في السنة المالية المقبلة أن تنفق الحكومة البريطانية أربعة جنيهات مقابل كل ثلاثة جنيهات تأتي إليها. بتعبير أدق، يتوقع أن يبلغ الإنفاق 48.1 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي في السنة المالية 2010/2011، ارتفاعاً من 40.8 في المائة في السنة المالية 2008/2009، كما أن يتوقع أن تبلغ المقبوضات الجارية 36.2 في المائة من الناتج، وهو رقم يقل عن 36.9 في المائة في السنة المالية 2008/2009. بحلول السنة المالية 2013/2014 يتوقع أن يهبط الإنفاق ليصل إلى 43.4 في المائة من الناتج، في حين ترتفع المقبوضات إلى 37.9 في المائة. معنى ذلك أنه في ظل خطط حزب العمال، فإن ثلاثة أرباع التحسن في وضع المالية العامة سيأتي من الهبوط في الإنفاق العام، نسبة إلى الناتج المحلي الإجمالي. وسينمو الإنفاق على نحو أبطأ كثيراً من نمو الناتج المحلي الإجمالي على مدى عدد لا بأس به من السنوات، بل بموجب بعض الافتراضات المعقولة سيستمر هذا الوضع عشر سنوات.
لذلك ما الذي يعنيه إيد بولز، زميلي السابق ووزير المدارس الآن، حين أصر أن حزب العمال بمقدوره تحمل الزيادات الحقيقية في الإنفاق على المدارس والمستشفيات بعد عام 2011؟ هدفه السياسي فتح مجرى من "المياه السامة الرائقة" بين حزب العمال والمحافظين. لكن هل هذا الادعاء معقول؟ الجواب: "نعم" و"لا".
زميلي كريس جايلز وضع صياغة لما يمكن أن يكون عليه الجواب بنعم. لنفترض صحة أرقام الإنفاق الكلي الواردة في الميزانية، والتي تفترض تخفيضاً حقيقياً هائلاً مقداره 17 في المائة (بالمعدل السنوي) في صافي الاستثمار العام بين السنة المالية 2010/2011 والسنة المالية 2013/2014. بعد الزيادات التي أصبحت الآن حتمية في خدمة الدين والإنفاق على الضمان الاجتماعي، سيهبط الإنفاق الجاري الحقيقي بنسبة 0.7 في المائة (بالمعدل السنوي) وعلى مدى ثلاث سنوات. لنفترض أن الإنفاق على الصحة والتعليم ظل على حاله بالمعدلات الحقيقية. في هذه الحالة الإنفاق الجاري الحقيقي على أي شيء آخر (مرة أخرى أقول باستثناء خدمة الدين والضمان الاجتماعي) لا بد له أن يهبط بنسبة تبلغ 3.1 في المائة (بالمعدل السنوي). من الواضح أنه إذا كانت هناك زيادة كبيرة بالمعدلات الحقيقية في الإنفاق على الصحة والتعليم، فإن التخفيضات في المجالات الأخرى لا بد أن تكون قاسية تماماً.
هذا هو السبب في أن الجواب لا بد له كذلك أن يكون "لا". إذا أُعيد انتخاب حزب العمال من الممكن أن يزيد الحزب الإنفاق الحقيقي على الصحة والتعليم. لكن بموجب توقعاته، الإنفاق على البنود الأخرى لا بد من تقليصه بصورة قاسية، إلا إذا أرادت الحكومة أن تتحمل عجزاً في المالية العامة أكبر حتى مما هو مقرر الآن. بالتالي التخفيضات في الإنفاق الحقيقي حتمية في ظل حكم العمال، مثلما هي حتمية في ظل حكم المحافظين. السؤال الوحيد حول هذا الموضوع هو البنود التي ستتعرض للتقليص في الإنفاق.
كيف يمكن لحزب العمال النجاة من هذا الفخ؟ إحدى الإمكانيات هي القيام بحملة ضد افتراضات وزارة المالية. من الممكن بالتأكيد أن وزير المالية مغرق في التشاؤم، في حين أن سلفه، براون، كان مغرقاً في التفاؤل. مع ذلك سيكون من الخطر أن نفترض أمراً آخر ثم نتمنى ألا تسوء الأمور. كذلك سيكون من المحرج أن نرفض التوقعات التي تقدم بها وزير مالية حزب العمال نفسه.
إمكانية أخرى هي أن نجادل في سبيل زيادة الضرائب. الصعوبة هنا هي أن الأرقام كبيرة للغاية. مجرد إزالة التخفيض في الإنفاق العام (كنسبة من الناتج المحلي الإجمالي) المقرر خلال السنوات الثلاث بعد السنة المالية 2010/2011، يقتضي أن ترتفع المقبوضات الضريبية بمقدار 5 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي، أي 60 مليار جنيه استرليني بالأسعار الحالية، لتصل إلى 41 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي. وهذا يعادل رفع النسبة الأساسية من ضريبة الدخل بمقدار كبير يصل إلى 12 في المائة من الدخل.
الكاتب الأمريكي الساخر، مِنكِن Mencken، قال ذات مرة: "لم يسبق على الإطلاق أن تعرض أي شخص للإفلاس بسبب إعطائه تقديراً يقل عن الحد لذوق الشعب الأمريكي العظيم". أنا أشعر بقدر كبير من القلق بسبب النسخة السياسية من هذه النظرة الساخرة. فقد نمت فكرة بين السياسيين مفادها أنه لم يسبق لأحد أن خسر الانتخابات لأنه قلل من تقديره لذكاء الناخبين. لكن أياً كان الحزب الفائز في الانتخابات العامة المقبلة، فإن هناك قرارات صعبة ستقع في قلب هذه الانتخابات. يجب على البلد الديمقراطي أن يدخل في نقاش حول هذه البدائل بصورة علنية وصادقة.
ما لم يستعِدْ الاقتصاد ناتجه الضائع، فإن وضع المالية العامة سيتطلب تخفيضات قاسية في الإنفاق، أو زيادات هائلة في الضرائب. والواقع أن من المحتمل أنه سيستلزم جزءاً من الحلين معاً. وقد أدرك وزير المالية هذه الحقيقة البسيطة. وكذلك أدركها المحافظون. فهل أدركها براون؟ من المؤكد أنه يحق له ولزملائه الوزراء القيام بحملة لزيادة الإنفاق الحقيقي على الصحة والتعليم. لكنهم بحاجة كذلك إلى أن يقولوا لنا كيف يعتزمون تسديد تكاليف هذا الإنفاق. أي شيء أقل من ذلك يعتبر إهانة لذكاء الناخبين.