مهارات للعيش بكرامة
نتعرض بصورة متكررة لمواقف عديدة قد يلح فيها علينا طرف آخر بصورة مبالغ فيها لكي نفعل شيئا لا نرغبه ، و هو ما يؤدي إلى شعورنا بالضيق و عدم الارتياح ، كالزميل الذي يلح في طلب قرض مع أننا لا نملك فائضا كافيا لتلبية طلبه ، أو ذاك المدير الذي يطالبنا بأن نسانده في ضغطه على أحد الموظفين لمباركة إجراء تعسفي اتخذه ضده ، أو في تلك الإلحاحات المتواصلة التي تصدر عن بائع يصر على أن يبيعنا شيئا لا نرغبه لمجرد أننا استفسرنا منه عن سلعة لا يملكها ، أو ذلك الصيدلي الذي يقترح بديلا للدواء الذي نطلبه و يشدد على أنه الأفضل.
كل هذه المواقف ذات الطابع المحرج و المأزقي يسهل على أصحاب السلوك التوكيدي التعامل معها أو التخلص منها أو حتى تجنب مواجهتها بصور متعددة، كمن يقول لمن يصمم على أن يكون المتفرد الأوحد بالحديث في اجتماع أو حلقة نقاش: أعطني من فضلك فرصة لأعبر عن فكرتي، أو يجيب على ذلك الشخص الذي يصر على فرض رأيه عليه في مسألة معينة: أنا أعتقد بوجود زاوية أخرى للتعامل مع المسألة ، أو يخبر الصيدلي الذي يصمم على الدواء البديل بأنه سيحاول الاتصال بالطبيب أولا لاستئذانه في شراء ذلك البديل ، إضافة إلى أساليب أخرى متعددة يسهل على مرتفع التوكيد ممارستها للتخلص من أمثال تلك المآزق.
و يمكننا توضيح المقصود بالسلوك التوكيدي بأنه امتلاك القدرة على الدفاع عن الحقوق الخاصة، والتعبير عن الأفكار والمشاعر والقناعات على نحو صريح و مباشر و بطرق مناسبة ليس من شأنها انتهاك حقوق الآخرين، ويحضرني هنا قول عمر بن الخطاب رضي الله عنه: ''يعجبني الرجل إذا سيم خطة ضيم أن يقول لا بملء فيه''.
كما يسجل لنا التاريخ وقائع متعددة تكشف عن أهمية السلوك التوكيدي في تجنب الوقوع في مواقف مولدة لمشكلات لاحقة وعدم الخضوع للمؤثرات النفسية التي قد يمارسها علينا الطرف الآخر، ويعجبني أن أنتخب من بينها تلك الواقعة التي كان بطلها أسامة بن زيد حين دعاه علي بن أبي طالب رضي الله عنه للخروج معه إلى البصرة للقاء معاوية في موقعة الجمل فأجابه حينها :
''والله يا أمير المؤمنين لو كنت في شدق الأسد لأحببت أن أكون معك فيه و لكنني لا أحب أن ألقى بسيفي مسلما أبدا'' وبغض النظر عن مدى صحة مواقف أي من الطرفين ولكنه عبر عن موقفه المختلف عن موقف خليفة المسلمين بطريقة مؤكدة مصحوبة بعبارات مخففة لأثر الرفض.
يكشف ما سبق أهمية أن يتبنى الفرد فلسفة توكيدية توجه سلوكه اليومي، فنحن نؤكد ذاتنا لنعيش حياة نستحقها كبشر له كرامة أثبتها الله لنا وحبانا إياها.