الأسلوب الحذر لإصلاح البنوك لن ينجح
بقفزة واحدة تصبح البنوك حرة، أو هذا هو ما يبدو. وهلع خريف عام 2008 يتلاشى بالفعل. كما أن الفترة التي ينبغي أن يتم ضمنها تعلم الدروس والتغيرات تقترب. ومع ذلك، وبدون تغييرات جذرية، فإن أزمة أخرى تعتبر أمراً مؤكداً. وربما لا تتأخر كثيراً.
روت إليزابيث ديوك، المحافظة في الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي، في خطاب حديث لها قصة تعود مباشرة إلى فترة ما بعد فشل بنك ليمان براذرز في أيلول (سبتمبر) الماضي: سئل رئيس الاحتياطي الفيدرالي، بن برنانكي «ماذا لو لم نفعل شيئاً؟». أجاب عن ذلك السؤال «لن يكون هناك اقتصاد يوم الإثنين». وبدلاً من ذلك، جميع المؤسسات التي اعتبرت مهمة على صعيد النظام ككل، تم إنقاذها من خلال تحويل معظم المخاطر إلى دافعي الضرائب.
ربما يكون كثيرا للغاية المطالبة «بعدم تكرار الأزمة مرة أخرى»، لكن «المطالبة بعدم تكرارها على مدى جيل» أمر أساسي. فلا يمكن للحكومات أن تتحمل تكراراً مبكراً للأزمة مالياً، وسياسياً، وربما أخلاقياً. ولا يفترض التضحية بحياة كثيرين في وقت قريب لإرضاء نزوات عدد قليل من الحمقى.
مع ذلك، ما ظهر بعد الأزمة ـ كما جادلت في الأسبوع الماضي ـ هو نظام مالي أسوأ من ذلك الذي بدأنا به. كان الناجون قلة ممن هم «أكبر وأشد ترابطاً من أن يفشلوا». أنهم مخلوقات مالية هائلة الحجم. وأصبحوا الفائزين ليس لأنهم بالضرورة أفضل الشركات، بل لأنهم يتلقون أفضل الدعم. ولا يحتاج المرء إلى خيال لإدراك ما يمكن لهذه المؤسسات أن تفعل في ظل حوافز الإقدام على المخاطر.
فما الذي يجب فعله؟ الاستجابة المميزة، لكن عديمة الجدوى، هي تحريك الكراسي التنظيمية على سطح سفينة التايتانك. والمقترحات الأخيرة الصادرة عن وزارة الخزانة الأمريكية تقع جزئيا ضمن هذه الفئة. لكن ينبغي إنقاذ النظام المالي من سوء إدارة المخاطر الخاص به. ولا مجال لتحقيق ذلك سوى بإصلاح الحوافز.
ولا بد أن تكون نقطة البداية «أكبر من أن يفشل». نحن بحاجة إلى نظام ذي صدقية لتصفية حتى المؤسسات المالية الضخمة. وأكثر المقترحات جاذبية هي التي تدعو إلى «بنوك جيدة» يصبح فيها الدائنون غير المؤمنين حملة أسهم. وسيكون ذلك أسهل إذا كان على المؤسسة الخاضعة للتنظيم، كما اقترح الرئيس باراك أوباما وكما جادل ميرفن كنغ محافظ بنك إنجلترا، أن تعد خطة تلاشِ منتظم لنشاطاتها.
مع ذلك، فإن إخفاقات البنوك تشبه الحافلات: لا ترى حافلة لعدة ساعات، ثم يصل أسطول منها معاً. ولا تستطيع السلطات أن تقدم وعداً صادقاً بأنها ستكون مستعدة لفرض إجراءات الإفلاس على جميع المؤسسات المتأثرة في ظل أزمة تشمل النظام ككل. سيكون ذلك بمثابة وصفة لحالات هلع أشد. وحالة «أكبر وأشد ترابطاً من أن تفشل» هي أمر واقع. وهي كذلك لأن النظام المالي، كما أشار أندرو هالدين من بنك إنجلترا في خطاب حديث له، شبكة محكمة بصورة متزايدة.*
جادل زميلي جون كاي بأن الاستجابة الصحيحة هي إيجاد «بنوك ضيقة» تكون آمنة تماماً، وترك بقية النظام المالي يسير على هواه، بحيث يمكن أن يكون معرضاً لخطر قوي الاحتمال من حيث التعرض للإفلاس. وأجد أن هذه الفكرة جذابة، وغير مقنعة. وجاذبيتها تبدو واضحة. وسبب كونها غير مقنعة يعود جزئياً إلى أن من الصعب للغاية الاتفاق على ما يجب أن تكون عليه البنوك الضيقة. وغير مقنعة لأنه كلما صغر حجم البنك ازدادت أهمية الدور الذي يلعبه بقية القطاع المالي، وبالتالي يصبح من الأقل ترحيباً أن تقبل الحكومات السماح بانهياره.
إذا كانت المؤسسات أكبر وأكثر ترابطاً من أن تفشل، مع عدم إمكانية تحديد حل هيكلي، فلا بد من إيجاد البدائل. ومتطلبات رأسمال أعلى بكثير ومزيد من الاهتمام بالسيولة يعتبران المتطلبين الأكثر وضوحاً. وفي الوقت الراهن المؤسسات المالية الكبرى تعمل برأسمال قريب من العدم. ونجد في الولايات المتحدة أن معدل مديونية البنوك التجارية كان 35 إلى 1 عام 2007، بينما كان في أوروبا 25 إلى 1. وكما لاحظت في الأسبوع الماضي، هذا الأمر يجعل من المنطقي لحملة الأسهم «التوجه إلى الإفلاس»، مع النتائج التي شهدناها. إن السماح بأن تدار المؤسسات لصالح مساهميها الذين يقدمون 3 في المائة فقط من الأموال القابلة للإقراض، إنما هو أمر غير عقلاني. ومحاولة موازنة مصالح الإدارة مع مصالح حملة الأسهم أشد جنوناً من ذلك. إن المؤسسات المالية الكبرى، في ظل هيكلها الرأسمالي الحالي، تعد ترخيصا بالمقامرة بأموال دافعي الضرائب.
فكم هو رأس المال الذي يبدو معقولاً للمؤسسات المهمة على صعيد النظام ككل؟ الإجابة «مبلغ أكبر بكثير مما هو عليه الآن». وأكثر من ذلك أن رأس المال المطلوب يجب ألا يكون مرجحاً بالمخاطر على أساس نماذج البنوك التي ينبغي عدم الثقة بها. ويجب ألا تقل أموال المساهمين عن 10 في المائة من رأس المال. وكانت هذه النسبة أعلى من ذلك بكثير في الولايات المتحدة.
إضافة إلى ذلك رأس المال الأعلى وسيلة جيدة لجعل «العوامل الخارجية» السلبية داخلية. وعلى نحو أدق تلك العوامل التي تسبب فيها مؤسسة واحدة وتؤثر على النظام برمته. والأمر المثالي، بالتالي، هو أنه يجب أن يكون رأس المال المطلوب مرتبطاً بأهمية المؤسسة للنظام ككل، وهو ما يجادل به التقرير السنوي الممتاز الجديد لبنك التسويات الدولية. وأكثر من ذلك، يجب تحديد المتطلبات مقابل كل النشاطات على أساس حسابات مدمجة بصورة كاملة. وسيكون من الأسهل نسبياً ضمن نظام مالي مرسمل بصورة أفضل، إدارة نظام «حصيف على نطاق كلي»، بحيث يزداد رأس المال المطلوب خلال الطفرات وينخفض خلال التراجعات. ومرة أخرى نجد أنه كلما زادت حصة المساهمين في رأس المال، قلت مخاوف المرء بشأن ما إذا كانت مكافآت المديرين موازنة معها. وحتى في ظل ذلك، يجب أن يكون لدى المنظمين نوع من السيطرة على حوافز الإدارة، طالما أن حملة الأسهم يتحملون المخاطر الناجمة عن ذلك. وتبقى هناك صعوبتان هما التحول والتعسف من جانب المنظمين.
بالنسبة للأولى، المطالبة بكثير من نسب رأس المال العالية يمكن في أيامنا هذه أن تعيق وتؤخر التعافي. وبالتالي، الحل هو تحول مطول ربما يمتد إلى عقد كامل. وبالنسبة للصعوبة الثانية، من الواضح أن ما يسمى «النظام المصرفي في الظل» لا يمكن السماح له بالعمل خارج قيود رأس المال إذا كانت الجهات العاملة ضمنه يحتمل أن تكون مهمة على صعيد النظام ككل، كما ثبت بالنسبة للصناديق المالية. وفوق ذلك لا بد من فرض نسب رأس المال من قبل جميع البلدان المهمة. غير أن لدى الولايات المتحدة ما يكفي من القوة لفرض التحرك في ذلك الاتجاه، بالإصرار على أن أي بنك أجنبي يعمل على أراضيها يجب أن يكون مرسملاً بصورة ملائمة.
خلاصة الأمر، التخلص من الديون هو نقطة البداية الصحيحة من أجل نظام مالي أسلم. وسينجح ذلك بأفضل صورة إذا أنهينا الحوافز المالية الضخمة للاقتراض، القائمة في أيامنا هذه.
إن الخيار الخطر الآن هو التدرج الحذر، وليس التحرك الجذري. فمن أين يجب أن يبدأ مثل هذا التحرك الجذري؟ الإجابة واضحة: من الحوافز يا غبي.