الهيئة بين التشويه والتصحيح
نحمد الله أن بلدنا السعودي العربي المسلم كان وما زال وسيبقى - بإذن الله - عصيا على اختراق عقيدته وقيمه وثوابته الدينية والأخلاقية, وسنبقى متمسكين بهويتنا المستقلة بخصوصيتها التي تغيظ البعض من دعاة التغريب سلوكا وأخلاقا وقيما باسم التقدم والتحضر والانفتاح على العصر ادعاء وافتراء, فهؤلاء ممن تغرب فكرا وعقلا وثقافة, وجدوا في مساحة طرح الرأي وانفتاح باب النقاش حول كل القضايا الفرصة التي تسللوا منها لبث سمومهم وثقافة الخروج على قيم المجتمع وأخلاقياته بالدعوة إلى التخفف مما يسمونه ''القيود'' المعيقة للتقدم, فشجعوا المرأة مثلا على التحرر من الحجاب وطالبوها بكسر القيود عن الاختلاط المنفتح, ودعوا إلى ترك الحرية للناس ليمارسوا حياتهم بالأسلوب الذي يريدونه بلا قيود أو وصاية من قيم أو أخلاق دينية أو اجتماعية. ولهذا لم يكن مستغربا أن توجه سهام النقد - الهدام وليس البناء - المركز أولا وتحديدا على هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر, وتسقط ما يقع فيه بعض أفرادها من أخطاء وتجاوزات وهفوات وتضخيمها لتصوير دور الهيئة ورجالها بالسلبي, ومحاربة مبدأ الحسبة ذاته من أجل فتح أبواب مجتمعنا على مصارعها لكل الثقافات المنفتحة والمنفرجة, فلا تجد حينها جهة تحمي القيم والأخلاق المستمدة من ديننا, وتقف في وجه التغريب والتحلل والتفسخ, فهيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر هي أبرز المؤسسات التي تقف شوكة في حلوقهم لحماية قيمنا وأخلاقنا التي يصفونها بالانغلاق والتشدد لكونها ترفض وتستعصي على الاختراق. وهذا ما أكد عليه مسؤول بحجم ووزن وخبرة الأمير نايف بن عبد العزيز النائب الثاني ووزير الداخلية, حين وقف بالمرصاد لكل من يريد هدم وتشويه دور الهيئة, فجاءت رعايته حفل بدء الخطة الاستراتيجية للهيئة مؤشرا بارزا على الدعم الكبير الذي تلقاه من ولاة الأمر وغالبية الناس, مؤكدا على دورها منذ الدولة السعودية الأولى حتى اليوم, ومقدما شكره وامتنانه لرجال الهيئة الحاليين والسابقين, فجاءت هذه الرعاية الكريمة منه وما قاله في حق الهيئة ورجالها, شدا لعضدها في وجه محاربيها ومنتقديها غير المنصفين, ودعما مهما لجهودها ضمن إطار المسؤولية الأمنية الشاملة لبلادنا ومجتمعنا.
على الرغم من كل هذا النقد الموجه لهيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر, وبعضه صحيح وفي محله, وبعضه الآخر مبالغ فيه وهدفه التجني عليها وعلى رجالها, إلا أن وجودها واستمرارها أكثر من ضرورة, خصوصا في هذا الزمن الذي نتعرض فيه تحديدا لمؤثرات وتأثيرات ثقافية وسلوكية لا يخلو بعضها من الريبة والشك بأنها مقصودة للتأثير في تمسكنا بقيم دينية هي التي تعطينا هذه القوة والصلابة لنكون عصيين على الاختراق والتبعية الثقافية والحضارية, والنقد الذي تتعرض له الهيئة نوعان, نقد هادف صادق يركز على نقد تصرفات تسيء لها ويخطئها, ولكن دون المساس بأصل عملها ووجوبه شرعا, ونقد هادم يسعى إلى تضخيم السلبيات بهدف إثارة النفوس عليها وعلى رجالها بهدف إضعاف تقبلها وتشويه دورها باعتبارها تتعدى على الحريات الشخصية وتمارس الوصاية على التصرفات دون وجه حق, والفرق بين الانتقادين واسع وكبير وجوهري, فبينما يهدف النقد الهادف إلى تقويم عمل الهيئة وإصلاحه بما يخدم المصلحة العامة والمحافظة على هويتنا ضمن القيم والأخلاق الإسلامية ومواجهة الظواهر التي تتعارض معها وفق ضوابط لا تمس حقوق الحرية الشخصية من جانب, ولا تتهاون من جانب آخر مع الخروج العلني على منظومة هذه القيم والأخلاق, نجد أن النقد الآخر له مآرب أخرى يريد من ورائها ترك الحبل على الغارب لكل من يريد ممارسة شهواته ونزواته باسم احترام الحريات.
وسط هذا التجاذب حول عمل الهيئة كانت الكفة تميل بعض الشيء لمصلحة النقد التشويهي لعملها, وأسهم بعض الإعلام بجزء حين ضخم أخطاء فردية وجعلها سمة وصفة للهيئة, وهو ما أثر سلبا في قبول الهيئة لدى شريحة مهمة من المجتمع, وتتحمل الهيئة أيضا مسؤولية في ذلك حين قصرت وتأخرت في إصلاح أخطائها وتجاوزات بعض أفرادها حتى يكون لها قبول واسع بما يشعر الجميع بأن مهامها ودورها في حماية المجتمع وأفراده من التعدي على قيمه وأخلاقه, وهذا ما نأمل أن يحدث من خلال تعيين رئيس جديد وإرساء خطة استراتيجية رعاها الأمير نايف شخصيا, بإحداث نقلة موضوعية في عملها يوفق بين متطلبات عملها وأساليبه وأدواته.
المطلوب من الهيئة بثوبها وفكرها الجديدين أن تطور أدواتها بالقدر الذي يجعل الجميع يرى فيها جهة ضابطة وحامية لمجتمعنا من كل تعد على قيمه وأخلاقياته, لا جهة تمارس التسلط, كما يروج عنها كارهوها, وأن يكون دورها التدخل في وقت الحاجة لا أن تفهم أنها تتعقب فقط, أي تتحول إلى جهة حماية وحق لا جهة شك وارتياب تعتبر فيه كل شخص مع امرأة متهما حتى تثبت براءته.الحقيقة في عمل الهيئة أنها تعرضت لظلم كبير, ظلم المشوهين والكارهين لها, وظلم حماسة بعض المنتسبين إليها الذي أفقدها جزءا مهما من فهمها الفهم الصحيح, ومهما حاول المشوهون والكارهون لها إشاعة صورة سلبية وقاتمة وجافة عنها, إلا أن وجودها واستمرارها مهمان وأساسييان, والدور الذي تقوم به ليس بدعة عندنا, ففي كل الدول الأخرى بما فيها غير الإسلامية هناك ما يسمى شرطة الآداب لمواجهة كل ما يخرج على القيم والأخلاق المتعارف عليها.