زيارة وزير الخزانة الأمريكي للسعودية.. واللغز الأمريكي

قيل الكثير على هامش قمة الدول الثماني الصناعية الكبرى حول الاقتصاد العالمي، ومصير الاقتصاد الأمريكي، والبراعم الخضراء التي تعود بصورة شاحبة مقابل خلفية من البيانات الاقتصادية غير المتفائلة للغاية، التي قدمت في وقت سابق. وإن التزام المملكة العربية السعودية بتحقيق التعافي الاقتصادي العالمي ليس مسألة خاضعة للتساؤل، على الرغم من أن منظمي قمة الكويلا عملوا على استثناء السعودية، ودول أخرى من الحضور، واختاروا بدلاً من ذلك حضور مصر وليبيا. ومن الواضح كذلك أن الاقتصادات الناشئة ( البرازيل، روسيا، الهند، الصين، والمملكة العربية السعودية) يجب أن تكون جزءًا من أي جهد عالمي للتوصل إلى تعافي الاقتصاد العالمي. ولا يمكن للاقتصاد العالمي تحمل اختيار استثناء بعض الدول من أجل محاباة سياسية قصيرة النظر.
جاءت زيارة وزير الخزانة الأمريكي، تيموثي جايثنر، كفرصة مواتية بعد زيارة الرئيس باراك أوباما للمملكة في أوائل حزيران (يونيو). وهي، من عدة جوانب، زيارة مهمة لطمأنة صانعي السياسة في المملكة، ومجتمع النشاطات العملية كذلك.ويتأثر اقتصاد المملكة، بطرق عدة، بما يحدث في الولايات المتحدة، حيث إن الريال السعودي مرتبط بالدولار، كما أن معظم الموجودات السعودية الأجنبية مستثمرة في سندات الحكومة الأمريكية، إضافة إلى أن الدولار يؤثر في المملكة من حيث إن حوالي 70 في المائة من قيمة جميع الواردات تسدد بالدولار.
ويتم تسعير النفط الذي هو أهم مصدر للدخل في المملكة بالدولار الأمريكي. وسوف يؤثر الاتجاه طويل المدى للدولار، بصورة ثابتة، في المملكة. ويمكن أن تكون هذه الزيارة بالنسبة إلى صانعي السياسة هادفة إلى إرسال رسالة ثقة بأن الإدارة الأمريكية تتخذ إجراءات (مالية بصورة رئيسية) لإعادة الاقتصاد الأمريكي إلى نوع من طريق التعافي. ويأتي مع ذلك النقاش حول وضع الدولار.
وظلت المملكة تتقيد بصورة ثابتة، بسياسة قدمت الدعم للدولار خلال الأشهر القليلة الماضية، بينما أبدى معظم مالكي الأوراق المالية الأمريكية شكوكاً حول مصيره. وقد يكون جايثنر قد مرر رسالة ترحيب بالاستثمارات السعودية في الولايات المتحدة، سواء على مستوى القطاع الخاص، أو العام.
وربما احتاج وزير الخزانة الأمريكي إلى قدرات إقناع عالية بينما شهد رجال الأعمال السعوديون ( وبالطبع آخرون حول العالم) استثماراتهم في الولايات المتحدة في حالة تراجع لقيمتها، على نحو سريع، من خلال عدد من المؤسسات في «وول ستريت». وثارت شكوك لدى كثير من رجال الأعمال السعوديين حول مستقبل الاقتصاد الأمريكي. وهنالك مناقشات تراجعية يتم تداولها حول حاجة النشاطات العملية إلى التنويع بعيداً عن الصفة الدورية للاقتصاد السعودي. ومن هنا تبرز الحاجة إلى الاستثمار في الخارج. وهذه حجة واسعة الانتشار، وكذلك هي حاجة نظرائهم السعوديين لزيادة استثماراتهم في الوقت الراهن في المملكة بأكثر مما حدث في أي فترة من تاريخ هذا البلد.
وسوف تظل هنالك على الدوام فرص في الخارج، ولكن هنالك كثير منها في الداخل.ويمكن أن توصف هذه الدعوات بأنها مطالبات وطنية متشددة، ولكن آخرين يمكن أن يصفوها بأنها تثير المصالح الوطنية لبلد ما. وبمرور الوقت، فإن محاولات المملكة الهادفة إلى التنويع سوف تزداد قوة، وكذلك سوف تكون الحاجة إلى دعم وتعزيز الاستثمار المحلي. وعلى رجال الأعمال الأمريكيين مساعدة المملكة على تحقيق هذا الهدف.وبلغت الاستثمارات الأمريكية والأجنبية المباشرة في المملكة في عام 2007، ما يصل إلى 5.3 مليار دولار ( حسب أحدث البيانات المتوافرة)،مقابل 4.7 مليار دولار في عام 2006،وهو رقم قريب من الاستثمار الأجنبي السعودي المباشر في الولايات المتحدة في عام 2001، الذي بلغ 4.4 مليار دولار. ولا ينبغي لنا تجاهل دور التمكين التاريخي الذي لعبته المملكة، على مر السنين، لمساعدة تمويل العجز التجاري الأمريكي، والحفاظ على أنماط الاستهلاك الأمريكي.
ومن المؤكد أن النقاش حول مسار الاقتصاد الأمريكي، وثقله العالمي،واتجاه الدولار، لن يتراجع. ومن الواضح تماماً أن صفقة الحافز المالي من جانب الإدارة الأمريكية كانت صغيرة للغاية، الأمر الذي أدى إلى وجود شرخ في صدقيتها. غير أن النتائج والنقاشات الاقتصادية سوف تؤثر في نظرة السعودية إلى الاقتصاد الأمريكي.
إن أي شيء يحدث للاقتصاد الأمريكي يؤثر في الاقتصاد السعودي،بصورة مباشرة، سواء أحب البعض ذلك أم لا. وإن اللغز الأمريكي هو الوسيلة التي يبرز بها الاقتصاد الأمريكي خلال السنوات المقبلة، وإدارة الأزمة، وكذلك الطريقة التي تستجيب بها البرازيل، وروسيا،والهند، والصين، والسعودية.وإن الولايات المتحدة بحاجة، من خلال جايثنر، إلى مصارحة المملكة العربية السعودية،حاجة إدارة الرئيس أوباما إلى مثل هذه المصارحة داخل الولايات المتحدة.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي