الخروج من "تاسي" وإعادة الإدراج في "نمو"

في تقرير لافت نشرته "الاقتصادية" على موقعها الإلكتروني يناقش وجود 7 شركات مدرجة في سوق الأسهم السعودية الرئيسية "تاسي"، أفقدت من استثمر فيها خلال 20 عاما أكثر من نصف رأسماله، فوفق وحدة التحليل المالي في "الاقتصادية"، فإن المستثمر قد خسر في 3 شركات منها أكثر من 70% من رأسماله، فيما خسر من استثمر في 4 شركات منها ما بين 50 و70%.

وبعيدا عن أسماء هذه الشركات التي ذكرها التقرير بوضوح، فإن المقال يسعى لرصد الآلية المناسبة التي على أساسها يمكن للمستثمر الصغير طول الأجل تجنب هذا النوع من الشركات خاصة عند الاكتتابات الأولية، فالمضارب في سوق الأسهم (خاصة المضارب اليومي) لا يهمه الأداء المالي للشركات ولن يهمه التحليل الأساسي، فهو يهتم فقط بحالة العرض والطلب الآنية على السهم في كل لحظة من لحظات السوق، فقد يشتري سهما لشركات غارقة في الخسائر وهو يتوقع بيعه في نهاية اليوم أملا في كسب بعض الهلل.

ولذلك فإن المضاربات على السهم قد تصنع هالة من الطلب الوهمي على سهم الشركات الخاسرة، ما قد يتسبب (مع بعض التوصيات غير المهنية، والوعود غير الصادقة من جانب إدارة الشركات) في دخول مستثمر بسيط لهذه الشركات ليقع في فخ السهم، معلقا لسنوات طويلة ينتظر عودة رأسماله فقط، كما هي الحال في الشركات التي يقدم تقرير "الاقتصادية" تحليلا عنها، فما الحل إذن؟

المشكلة مركبة، جزء منها عند الشركات وهو الأداء المالي السيئ، لكن إدارة الشركات هذه تقدم تقريرها بكل شفافية، وهي تخبر البعيد قبل القريب بوضعها المالي، ومع ذلك فهي ليست بلا ذنب، إذ إن عليها أن تستخدم أموال المستثمرين بأفضل الطرق، ولو أن يتم تغيير نشاط الشركة، فليس من المعقول أن تبقى الشركة في قطاعات خاسرة إذا كان القطاع ككل غير مجد، أو أن تقوم بتغيير إدارتها إذا كانت هذه الإدارة غير محترفة، هذه القرارات تتخذها الجمعيات العمومية ومجالس الإدارات.

لذا فإن على عاتق هذه الشركات أن ترفع من مستويات الحوكمة فيها وأن تصبح شركات ذات ديمقراطية عالية تمسح لأفضل العقول بأن يشارك في صنع القرار، ولا تتركز الملكية فيها على صنع قرارات سيئة هدفها استغلال قواعد الحوكمة للفوز بمكافآت اللجان والإدارة التنفيذية، وذلك على حساب الاقتصاد.

الجزء الثاني من المشكلة هو -كما أشرت له أعلاه- يقع على عاتق المضاربين الذين ينظرون للسهم كسلعة منفصلة عن الشركة، فالسهم عندهم مجرد مخزن للثروة المؤقتة (كمثل العملة)، فهو غنيمة حرب المضاربات اليومية.

ولهذا قد يتراجع سهم شركة عملاقة وهي تعلن أرباحا بمليارات، وقد يصعد سهم شركة خاسرة وهي تعلن عن خطة تخفيض رأس المال، ذلك أن السهم أصبح سلعة بذاته، لها كيان منفصل عن كيان الشركة، ومهما قيل عن خطورة هذه النظرة على الاستثمار طويل الأجل، وعن الأضرار الاقتصادية لها، فلن يؤثر ذلك في سلوك المضاربين، فالربح الرأسمالي الصغير جدا مهم للغاية.

وهذا يحيل سوق الأسهم إلى سوق حراج، ولا علاج محدد لهذا، لأن المضاربات هي روح السوق ووجود الحراج اليومي بمنزلة النافذة التي تسمح لمن يريد التخارج من الأسهم والفوز بالسيولة أن يجد من يشتري منه فورا.

لا أجد حلا لهذه الشركات وغيرها مما هو على شاكلتها إلا خروجها من السوق الرئيسية كليا، وإعادة إدراجها في سوق نمو. قد يعتبر البعض أن في هذا ضررا على سوق نمو، لكن سوق نمو موجودة ابتداء للشركات التي لديها بعض الضعف في نقاط الحوكمة وقيود في حجم رأس المال، كما أن التداول هناك عليه قيود وشروط خاصة.

وفي اعتقادي أن هذا الإجراء Delisting صحيح لمعالجة وضع بعض الشركات التي تم إدراجها في السوق الرئيسية قبل وجود سوق نمو، فهي من تصنيف شركات نمو لكنها في السوق الرئيسية بحكم الزمن لا بحكم الحالة، كما أن هذا الإجراء الذي سيمنح المستثمر الصغير الجديد طوق النجاة من فخ المضاربات اليومية وإغراءات صعود السهم الناتج عن ذلك، ليضع أمواله في شركات تعمل في قطاعات تدعم الاقتصاد السعودي، وتحافظ على رؤوس الأموال، وتعكس ثقافة الحوكمة الجيدة بشكل صحيح.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي