أخبار من اليابان
هزت سلسلة من الانتحارات اليابان وفي مدى لا يزيد على ثلاثة أشهر بين مارس ويونيو من عام 2008م، فقد مات في عام 2008 م وعلى مدى ثلاثة أشهر 200 شخص بالانتحار، في بلد النشاط والإنتاج، وبنفس الطريقة من التسمم بخليط من الماء الأكسجيني والكبريت، تمت صناعته باستخدام مواد التنظيف المنزلية العادية، بخلطها بمركبات الكبريت من أملاح تنظيف أحواض الحمامات.
وصدر في الإنترنت إعلان لهذا المركب بعنوان (الموت دون ألم)، وعن طريق الاستنشاق، وموت في زمن قصير نسبيا.
وحين صدر كتاب (المرشد الأمثل إلى الانتحار الأكمل!) بيع منه فورا مليون نسخة!
إن نسبة الانتحار في اليابان عالية وصلت إلى 24 شخصا من كل مائة ألف من السكان، وكان عدد من انتحر السنة الفارطة 30 ثلاثون ألفاً، فكيف يمكن تفسير مثل هذا؟
لقد تقدم المؤرخ الألماني (أودو جراشوف Udo Grashoff) من لايبزيج، بدراسة نشرتها مجلة بي ـ إم عالم المعرفة P.M.Welt des Wissens (العدد 6/2009م ص 92) ولدراسة مفصلة عن ظاهرة الانتحار بعنوان (السقوط في قبضة الكآبة).
والأخيرة أي الاكتئاب بدوره محصلة لواقع معين سياسي اجتماعي، مع تربة نفسية، وأحيانا خلطة جينية لبشر عندهم ميل للانتحار أكثر من غيرهم.
وحسب إحصائيات منظمة الصحة العالمية فقد جاءت الأرقام لأكثر عشر دول تنتحر في العالم من عام 2002 من كل 100 ألف من السكان، فكانت اليابان (24) في المرتبة بجانب أوربا الشرقية، وأمريكا الجنوبية ودول البلطيق، وفرنسا (18) أمريكا (22) ألمانيا (13)، ولم تنج دول الشرق الأوسط!
وأما الإحصائيات لعام 2008م للدول التي فيها نسبة الانتحار الأعظم، فتصدرت القائمة ليتوانيا (40) وروسيا البيضاء (37) مقابل شجرة الموت في سريلانكا (31) حيث تعارف الناس في كيرلا على تناول مادة السيربيرين Cerberin حيث يتوقف القلب بعد تناول الحشيشة بفترة 3 إلى ست ساعات، وخلال عشر سنوات بين عامي 1989 و1999م مات من كيرلا وحدها من هذه العشبة السامة 537 شخصا من ذكر وأنثى.
وتعد فلسفة الانتحار عند الإنسان أبرز ما يجعل من الإنسان إنسانا،على الرغم من سوء المنقلب، وهول المنظر، وعدمية النهاية؟
وفي هذا الكلام تناقض، ولكنه الحقيقة الموجعة، فالانتحار هو الإرادة مجسمة، أو لنقل انهيار إرادة الحياة، ولو في الاتجاه الخطأ، ضد غريزة الحياة؛ فالغريزة تقول باستمرار الحياة ولكن الانتحار هو الحياة سلبا، ولكنه من باب تأكيد لمعنى حرية الإرادة.
والصوم مثلا يؤكد معنى انتصار الإرادة على الغريزة؛ فلم نسمع عن عشب أنه صام، ولا عن قط أو شاة وعصفور ويعسوب، أنه أصيب بالكآبة فانتحر!!
أما الإنسان فيقدم على الانتحار طائعا مريدا مشتاقا عجولا!!
وهذا أعظم جدل الإنسان.
ومن يقدم على الانتحار بشجاعة وجسارة وتهور هم الشباب في العادة، في قصة حب أخفق، أو ظلام سياسي طوق، وإحباط ويأس مقيم، عن معنى الحياة وعدم جدواها، فيقدم استقالته من الحياة.
كما فعل الحاوي، حين رأى سقوط بيروت، ودخول شارون بالدبابات، في 15 سبتمبر عام 1982م أول عاصمة عربية، وليس من قوة أو ركن شديد!
نعم الانتحار هو تقديم استقالة من الحياة.