الفلفل من المائدة إلى ساحة المعركة

الكثير منا يستمتع بتناول وجبه مبهرة أو حارة "spice" ويتوق لرؤية قرون الفلفل الأحمر على صحن الجريش أو الأخضر على الكبسة ومنا من لا يستسيغ طعم الأكل إلا وزجاجة الشطة تسبقه إلى المائدة.
وللفلفل أنواع كثيرة وأشكال وألوان مختلفة، وكذلك فصائل تختلف فيها درجة حرارته من البارد إلى شديد الحرارة والمحتوي على مادة (الكابسيسين) أو الفلفل الأبيض أو الأسود المحتوي على مادة "البيبيرين" والذي كان يعد قديما من أغلى المقتنيات ويعد هدية قيمة للملوك, حيث يحمل من أقصى الشرق إلى الغرب عبر البراري والبحار ولا يستطيع شراءه سوى الأثرياء، وفي عصر النهضة الأوروبية عدّه بعض الحكام مثل النقود يجري التقابل بها, وله فوائد عديدة كغذاء ودواء ومن أهمها استخدام زيته العطري ضد آلام الروماتيزم وآلام الأسنان. ويستخدم مع العسل والبصل لإنبات الشعر وعلاج الثعلبة، ويذكي الذاكرة ومقوي وبالأخص عندما يشرب مع حليب الغنم.
وحديثا توصل باحثون من جامعة كيفر كوليدج اللندنية أن مادة piperine يمكنها أن تحفز إعادة صبغة الجلد التي اختفت بسبب مرض الوضح (vitiligo) بالإضافة إلى العلاج الضوئي، حيث استعادت البقع لونها خلال ستة أسابيع، ونشر البحث في المجلة البريطانية للأمراض الجلدية.
ولكن هل خطر في بال أحدنا أن ما نتناوله، ونستمتع به قد يتحول إلى سلاح؟!! فمنذ الثمانينيات الميلادية استخدم رذاذ الفلفل المحتوي على (الكابسيسين) لفض الاشتباكات والمظاهرات بدلا من الغاز المسيل للدموع كسلاح أقل خطورة على المواطنين ورجال الشرطة، حيث تراوح أعراضه من الحكة واحمرار الجلد والعين إلى العمى المؤقت، وانقطاع النفس، وتبقى آثاره من 30 دقيقة إلى ساعة، ويختلف السماح باستخدامه من بلد لآخر فبعضها يحرم استخدامه، والبعض الآخر يسمح باستخدامه لرجال الشرطة فقط والبعض الآخر يسمح به على الإطلاق.
ورد في مجلة التلغراف الهندية أن مختبر الأبحاث الدفاعية في غاليور يعمل على تطوير قنبلة يدوية غير قاتلة مصنوعة من فلفل (بهوت جولوكيا) الذي تعادل حرارته أكثر من مليون سعرة حرارية أي ضعفي حرارة الفلفل المكسيكي المدرج في موسوعة جينيس على أنه الأكثر حدة وكذلك استخدامه كمضاف غذائي على وجبات الجنود لحفظ حرارتهم في المرتفعات المتجمدة ليتمكنوا من الصمود. ونظرا إلى كثرة الفيلة التي تشكل خطرا على المواقع العسكرية القريبة من المحميات قام المختبر بوضع معجون فلفل (غانا) على الحبال المحيطة بالمواقع العسكرية لتهرب الفيلة من رائحته، وهذا شبيه بما فعلته الشعوب الازتكية التي سكنت المكسيك قبل سيطرة الإسبان عليها، حيث كانوا يعلقون الفلفل الحار على قواربهم لتبعد رائحته أسماك القرش.
ومع استمرار العلماء في البحث عما يخفف آلام الناس اكتشف باحثون أمريكيون أن دمج مادة الليدوكايين (مخدر موضعي) مع مادة الكابسيسين ينتج عنهما مسكن للألم يستخدم على الأعصاب المسؤوله مباشرة عن إشارات الألم في الدماغ وتستهدف الأعصاب الحساسة بالألم وتترك السليمة، وبذلك نستطيع تجنب الأعراض الجانبية للمسكنات الأخرى، ومن المفرح إمكانية استخدامها في حالات الولادة دون ألم ودون شلل في الأطراف السفلية كم يمكن بواسطة استخدام هذا الخليط إجراء عملية قلب مفتوح لشخص دون أن يفقد وعيه, ندعو الله أن يكلل هذه الجهود بالنجاح لما فيها من خير للبشرية.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي