ما أجمل رسالة المترجمة!

''عند الظهيرة ذهبت للصلاة في المسجد الصغير الذي خصصته الجامعة للطلاب المسلمين، وأسال اليقين الذي كان يغمر كلماتها بعض الدموع على غير توقع، فكل شظايا النفس تلتئم وتعود إلى مكانها الصحيح، وتساءلت: ماذا سيكون شعورها لو رآها تصلي؟ هل سيشعر بالنفور والغربة أم بعمق الاختلاف بينهما ووضوحه؟ أم سيجده أمرا يمكن قبوله، شيء ربما يرغب هو نفسه في ممارسته''.
الفقرة السابقة هي أسطر مقتطفة من رواية ''المترجمة'' للروائية ليلى أبو العلا، وقد نالت نسختها الأصلية الإنجليزية جائزة الأميركان بووكر لعام 2000 ونشرتها بالعربية دار الساقي، وهي روائية رائعة تبرز فيها بطلة الرواية قوة في تفاعل وحوار الحضارات بين الشرق والغرب.
سمر هي أرملة سودانية شابة تعمل مترجمة في إحدى الجامعات الاسكتلندية، وتقع في غرام الأستاذ الجامعي الاسكتلندي الذي تجد فيه عزاء لغربتها والذي أحست بارتياحها إليه رغم ما يفصل بينهما من حواجز جغرافية وثقافية ودينية، لكنها رغم تعلقها الشديد به والمنضبط في الحدود المطلوبة تفكر دوما كيف تدعوه للإسلام وكيف ترغبه في نطق الشهادة، وتعلم أن هذا هو الشرط الأساسي للعلاقة وإلا فالنهاية.
''تحدثه عن الشهادة ومعناها وتدعوه لنطقها لكنه يجيبها بعبارة: لست متأكدا!!
كانت تتوقع نعم أو لا، تعرف ما تقوله لو قال نعم كما تعرف ما ستفعله لو قال لا، أما أن يكون مترددا فذلك ما لم تحسب حسابه ثم قالت: هل تدري ما يعني هذا بالنسبة لعلاقتنا؟''.
أعجبتني الرواية جدا في إبرازها لصلابة المرأة المسلمة في الاحتفاظ بإيمانها والتمسك بثوابتها الدينية مهما كانت مشاعرها الداخلية وقوة احتياجاتها العاطفية، لكنها رغم جراحها وأحزانها تلوذ بربها وتتمسك به وتعود إلى السودان لتواجه محيطا مختلفا ووجوها متجهمة، وتترك وظيفتها وعالمها الذي تحبه هاربة بدينها وإيمانها فهما أغلى ما تملك.
أهدي القصة لكل الشابات المسلمات ولطالباتنا المبتعثات في الخارج ففيها دروس إيمانية جميلة ضمن إطار واقعي، وجرعة روحانية عالية تصل القارئ عبر عديد من التأملات الداخلية للبطلة.
''هناك بعض الناس يجذبون الآخرين إلى الإسلام، أشخاص ذوو إيمان راسخ قوي، من النوع الذي لا ينام إلا قليلا الذي تتفجر جوانحه بطاقة فياضة، هؤلاء لا يفعلون ذلك من أجل مكسب ذاتي ولا مغنم دنيوي، بل يفعلون ذلك لوجه الله،،،، لم تدع له مرة واحدة أن يكون مسلما لذاته هو، من أجل الذي يعود إليه ولا شيء غير ذلك، كان الأمر يتعلق دائما بها هي وبرغبتها في الزواج منه والتغلب على الوحدة التي ضاقت بها، ليتها تسمو فوق ذلك وتخلص نواياها وتطهرها من الغرض وهذا ما ستفعله الآن من دون أن يشعر بها، وسيكون هذا هو سرها وستفعل ذلك حتى إذا استغرق الأمر عشرة أشهر أو عشر سنين أو حتى 20 عاما أو أكثر من ذلك''.
هل أفسد عليكم روعة النهاية لحرصي على إيصال رسالتها لكم؟
نهاية إيمانية راقية، ورواية رائعة تستحق أن تتحول إلى مسلسل أو فيلم يحمل معه كثيرا من القيم والمعاني، كتبتها الروائية برؤية مسؤولة لم تترنح فيها البطلة بين المغريات، بل ظلت قوية صلبة متمسكة بجذورها شامخة بإسلامها، فاللروائية ليلى أبو العلا كل الاحترام والتقدير، ولكم أقول سارعوا لقراءة الرواية وإهدائها لمن تحبون.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي