«الكدش» و«طيحني» .. سلمت يد الشرطة والأئمة

على الرغم من وجود قيم إنسانية مشتركة بين كل البشر على اختلاف ثقافاتهم، إلا أن هناك قيما مختلفا عليها، وهذا الاختلاف هو ما يسمى التنوع الثقافي، ولذا نجد لكل مجتمع تقريبا قيما وثقافة وسلوكيات خاصة به إلى جانب المشترك مع الأخرى، وبعض منها يستمد من تعاليم دينية كما هو حال المجتمعات الإسلامية، مما يضفي عليها جبرية أكبر وإلزامية أشد، وفي ظل هذا الاختلاف وهذا التنوع برزت نزعة دفاعية عند كل المجتمعات لحماية قيمها الخاصة من أن يؤثر فيها كونها تمثل جزئية أساسية من هويتها.
في المجتمعات الغربية، والمثل البارز في المجتمع الفرنسي تحديدا، هناك رفض شديد مثلا لحجاب المرأة المسلمة، وهذا الرفض وإن اعتبره البعض جزءا من محاربة الإسلام، إلا أنه من وجهة نظر أخرى أكثر منطقية يفهم على أن تحجب المرأة يتعارض وبشدة مع قيم وثقافة سائدة في المجتمع الفرنسي وكل المجتمعات الغربية الأخرى فيما يسمى حق المرأة بارتداء الملابس التي تريد بشرط ألا يكون له مدلول ديني، وهي بذلك تريد حماية قيمها وثقافتها من قيم وثقافة تراها دخيلة عليها ومختلفة معها تمام الاختلاف.
هذا يعني أن من حق المجتمعات أن تضع ضوابط لما يمارس فيها من سلوكيات لضمان عدم تعارضها مع قيمها وثقافتها الأساسية السائدة فيها، وهذا حق مشروع بصرف النظر عن أي رأي آخر، ومجتمعاتنا الإسلامية تحديدا هي من أكثر المجتمعات مطالبة بأن تضع مثل هذه الضوابط حتى لا تفقد هويتها الدينية والاجتماعية، وخصوصا أنها تواجه مدا كاسحا جاء على أمواج عولمة تحمل لنا ثقافة وقيما تتعارض في كثير من سلوكياتها مع قيم وثقافة ديننا الإسلامي، ولو تركت هذه الموجات الثقافية الوافدة تضربها لأحدثت اختراقا لمجتمعاتنا الإسلامية وغزوا ثقافيا يهدد هويتها ويجعلها تابعة لهويات أخرى، والأخطر في هذا الغزو وهذا الاختراق هو في أنه موجه أساسا للشباب والمراهقين الذين تستهويهم كثير من التقليعات الوافدة من ثقافات أخرى لا ترى فيها ما يضرها ويهددها، بينما نرى نحن أنها هادمة ومؤثرة في هوية أجيالنا الناشئة حين تشب على مثلها مما يعبر عن ثقافة وقيم تتعارض مع ثقافتنا وقيمنا الإسلامية، فما نراه اليوم على سبيل المثال من انتشار ظواهر شاذة ومخالفة لقيمنا مثل ظاهرة الشعور الطويلة والمسماة بـ ''الكدش'' لدى شريحة من الشباب وتصفيفها بطرق أنثوية تعكس إسقاط الفروق بين المرأة والرجل فيما يعرف بالتشبه المذموم في الدين والعرف معا لدينا، وأيضا ظاهرة لبس بناطيل تسمى بـ ''طيحني'' وأحيانا بـ ''سامحني يا بابا''، وهو بنطال المأخذ عليه أنه يكشف عورة لابسه وبشكل مقزز - وللمعلومية فقط فإن موضة هذا البنطال جاءت من السجون الأمريكية حين كان يمنع المساجين من ارتداء الأحزمة خوفا من استخدامها كأداة عنف وأخذت بعد ذلك تقليعة انتشرت بين الشباب المنحرف أو الشاذ - وكلتا الظاهرتين وغيرهما مما يتعارض مع قيم وأخلاق سائدة في مجتمعنا لا يمكن التساهل معها بحجة الحرية الشخصية أو طبيعة الشباب المحبة للتقليد والتجديد مهما كان.
أسوق هذا الكلام على خلفية إجراءين اتخذا في شهر رمضان المبارك الحالي، أولهما عام قامت به شرطة مدينة الرياض حين شنت حملة على الأسواق وأوقفت مئات من الشباب المتأنث من ذوي الشعور الطويلة المرسلة والمصففة كالنساء، ولم تتركهم إلا بعد حضور أولياء أمورهم لتسلمهم بعد التعهد بضبط سلوكهم وإعادتهم للرجولة، وحسنا فعلت شرطة الرياض، فأولياء الأمور عليهم مسؤولية دينية وأخلاقية تجاه أبنائهم ''كلكم راع وكل مسؤول عن رعيته''، أما الإجراء الآخر فهو خاص حين قرر عدد من أئمة المساجد في المنطقة الشرقية منع الشباب الذين يأتون للصلاة وهم يرتدون تلك البناطيل الفاضحة من الدخول في مساجدهم، ومعهم كل الحق في ذلك، فالشاب الذي لم يتحرج من أن يأتي لصلاة فيها ركوع وسجود وهو يرتدي مثل هذا اللبس الكاشف لعورته، ليس علينا أن نتحرج من منعه، فهذا بيت الله وليس مقهى أو سوقا، ولم يكن أولئك الأئمة بدعا في ذلك، ففي ولاية فلوريدا الأمريكية اتخذ مجلسها قرارا يمنع الطلاب الذين يرتدون بنطال ''طيحني'' من دخول المدارس، وهذا مجتمع متحرر يقدس الحرية الشخصية، فكيف لا يمنع أمثالهم من بيوت الله التي لها حرمة وقيمة أكثر من المدارس ..؟ ولا يقل لنا أحد إن هذا ليس أسلوبا تربويا وطريقة صحيحة للتعامل مع هؤلاء الشباب.
لقد أحسنت شرطة الرياض وأحسن أولئك الأئمة بما فعلوا، ونتمنى ألا يقتصر ذلك على شهر رمضان المبارك فقط، بل نتأمل أن يكون دائما ومستمرا، ونتطلع أن تشن حملات ضد مثل هذه الظواهر السلبية والمؤذية والجارحة لقيمنا وأخلاقنا والتي باتت منتشرة وتمارس علنا في الأسواق والمطاعم والأماكن العامة على الأقل بمحاربتها بعدم التعامل مع ممارسيها، كأن تعطى الأسواق والأماكن العامة أمرا بعدم إدخال هؤلاء إليها، ووضع ملصقات توعية لسوء وخطأ هذه الظواهر في الأسواق والأماكن التي يتواجد فيها الشباب خاصة، فمن حقنا كمجتمع أن ندافع عن قيمنا ونرفض الثقافات الدخيلة الضارة عليه، فما أجاز للمجتمعات الغربية أن تمنع الحجاب الإسلامي مثلا وتحرم على من ترتديه الدراسة والعمل حماية لقيمها من وجهة نظرها، يجيز لنا أيضا ونحن مجتمع مسلم منع ومحاربة ما يستورد منهم من ظواهر نراها نحن أيضا تتعارض مع قيمنا، فليس كل ما يأتي منهم تطوار وتحضرا، وكل ما نفعل تعصبا وتخلفا.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي