الأحد, 4 مايو 2025 | 6 ذو القَعْدةِ 1446


آلية جديدة لحل المشكلات العالمية وإدارة العولمة..أم مجرد منتدى لإلقاء الخطابات؟

بعد يوم واحد من احتفال المملكة العربية السعودية بيومها الوطني, أي في يوم الخميس الرابع والعشرين من أيلول (سبتمبر) الحالي ستشارك المملكة في قمة العشرين في مدينة بتسبرج الأمريكية. ويعدّ هذا الاجتماع الثالث على مستوى الرؤساء في أقل من عام والثاني في الولايات المتحدة، حيث عقد الأول في مدينة واشنطن العاصمة يومي 14 و15 تشرين الثاني (نوفمبر) 2008، بعد تفاقم الأزمة الاقتصادية العالمية في عهد الرئيس الأمريكي السابق جورج دبليو بوش. ولمدينة بتسبرج في ولاية بنسلفانيا دور رائد في التاريخ الأمريكي، وهي تسمى مدينة القناطر لكثرة الكباري المقامة على الأنهر التي تمر في المدينة، كما أنها عاصمة الحديد والصلب. فلعلّ هذه المدينة تنجح في الوصل بين الشعوب في إطار من الصلابة في مواجهة القضايا الدولية الملحّة.

ما طبيعة المشكلة الحالية؟
تفجرت أزمة الرهن العقاري في آب (أغسطس) من عام 2007 عندما واجه بنك نورث روك البريطاني أزمة سيولة أدت إلى خسارته ما يقارب 100 مليار دولار. وفي منتصف آب (أغسطس) من عام 2008 (أي بعد سنة تقريباً من انفجار الأزمة) أعلن إفلاس شركة ليمان براذرز وهي بنك استثماري أمريكي. وفي ضوء ذلك تحولت أزمن الرهن العقاري إلى أزمة مالية عالمية سحبت بظلالها على الاقتصاد الحقيقي. ودفع ذلك الحكومة الأمريكية وعدداً من حكومات الدول الرئيسة إلى تبني حزمة من الحوافز تمثلت في رسملة بعض البنوك وتوفير ما تحتاج إليه من السيولة والضمانات وشراء بعض أصولها من قبل البنوك المركزية وتقديم القروض لعدد من الشركات.
وقبل أيام أعلن رئيس بنك الاحتياط الفيدرالي الأمريكي بن برنتكي أن الأزمة ستنتهي مع نهاية الربع الرابع من هذا العام. كما قام معظم البنوك الأمريكية الكبيرة بتسديد كامل التزاماتها تجاه نظام الدعم الحكومي. وأشار وزير الخزانة الأمريكي أخيراً إلى أن حكومته تفكّر جدياً في سحب الضمانات التي وفرتها للنظام البنكي في حدود 2.5 تريليون دولار, كما تشير تقديرات البنك المركزي الأوروبي إلى أن منطقة اليورو ستبدأ النمو في الربع الثاني من عام 2010.
من جهة أخرى, يُتوقع أن يزيد معدل النمو الصيني في نهاية هذا العام على 8 في المائة.
من جهة أخرى، فإن الاقتصادي المعروف نوريال روبيني الذي يُعد أول من تنبأ بحدوث الأزمة, يرى أن النمو العالمي عموماً سيكون بطيئاً، يبدأ أولاً بنمو سريع خلال الربعين المقبلين عندما تقوم الشركات بتعبئة مستودعاتها الفارغة ويبدأ الإنتاج الصناعي بالرجوع إلى مستوياته السابقة, وبعد ذلك يبدأ الاقتصاد العالمي بالتباطؤ ويستمر على هذا النحو لسنتين مقبلتين على الأقل. كما يتنبأ بأن البطالة في الدول الصناعية ستزداد في عام 2010 لتصل إلى ما فوق 10 في المائة, لذا فهو يتخوف من أن يتحول التحسن الذي نشهده حالياً إلى السالب. وتصاحب ذلك ضغوط تضخمية خصوصاً إذا سحبت الحكومات برامج الدعم الحالية، أو لجأت إلى فرض ضرائب جديدة لتخفيف العجز وتركت الشركات تتنافس للحصول على الأموال من بنوك منهارة, ما سيرفع سعر الفائدة ومن ثم أسعار السندات.

ما القضايا التي ستطرح على هذه القمة؟
من الناحية الموضوعية تنقسم القضايا التي ستناقشها القمة إلى قسمين، الأول خاص بالبنوك والثاني القضايا الاقتصادية الأخرى.

1 ـ هناك ثلاثة موضوعات تخص البنوك ركز عليها اجتماع وزراء المالية ومحافظو البنوك المركزية في اجتماعهم خلال الأسبوع الأول من هذا الشهر, وهي:

أ ـ المكافآت والتعويضات التي يحصل عليها كبار موظفي البنوك، والقضية المطروحة في هذا الشأن هي: هل تكون وفق معادلات دقيقة أم يقرّ لها فقط مبادئ عامة؟ فهناك خلاف بين كل من ألمانيا وفرنسا من جهة, حيث تطالب الدولتان بوضع قواعد قاسية ومعادلات دقيقة، والولايات المتحدة وبريطانيا من جهة أخرى, حيث تعارضان هذا التوجه وتميلان إلى وضع قواعد عامة وغير ملزمة. وهناك مجال كبير لردم الهوة بين الطرفين وذلك بأن يكون جزء من هذه المكافآت على هيئة أسهم ترتفع قيمتها أو تهبط وفقاً للمخاطر التي يتحملها البنك, والجزء الآخر على هيئة مدفوعات مؤجلة. ومن المفارقات العجيبة في هذا الخصوص أن بنك غولدمان ساكس, الذي سبق أن أقرضته الحكومة الأمريكية عشرة مليارات دولار – أعادها فيما بعد – ولم يحقق أرباحه الأخيرة إلا نتيجة لضخ الخزانة الأمريكية 70 مليار دولار لشركة التأمين AIG، التي تعد أحد أكبر عملائه الرئيسين، قد دفع مكافآت لموظفيه خلال النصف الأول من هذا العام 11.4 مليار دولار.

ب ـ إعادة النظر في مستوى كفاءة رؤوس أموال البنوك لزيادتها بهدف تقويتها ومن ثم الحيلولة دون إفلاسها وكذلك دفعها إلى تقديم مزيد من القروض لكي يتحرك الاقتصاد. والقرار الذي قد تتخذه القمة يتعلق بما إذا كان يجب أن تحصل هذه الزيادات سريعاً أم تتم بصورة تدريجية. ولا شك أن هذا الموضوع أهم كثيراً من موضوع المكافآت لكنه أكثر تعقيداً, فالكل يعرف أنه كلما زاد رأسمال البنك قل احتمال إفلاسه. فإذا ما تقرر الإسراع بزيادة رؤوس أموال البنوك فإن بعض الحكومات قد تضطر إلى إبقاء جزء من مبالغ الدعم التي سبق أن قدمتها للبنوك لمدد أطول، وقد يلجأ بعضها إلى أن تقوم بنفسها بتحمل جزء من هذه الزيادات, لذا ينادي كثيرون بالتريث في هذا الموضوع بحجة أن ''القواعد لا توضع أثناء فترات الغضب''.
وهناك جانب آخر لموضوع كفاءة رأس المال هو حاجة البنوك إلى وضع قواعد محددة جديدة لمستوى السيولة. وتقدمت لجنة بازل، وهي المسؤولة عن وضع قواعد الرقابة المصرفية، بمقترحات محددة في هذا الشأن.
جـ - توحيد القواعد المحاسبية هل سيتم على أساس أن تكون صارمة أو مرنة بدرجة تسمح بعدم إدراج الخسائر الكبيرة في سنة مالية واحدة؟ وهذا الموضوع له علاقة بموضوع كفاءة رأس المال المشار إليه في الفقرة السابقة, فتحديد رأس المال المناسب يعتمد على الطريقة التي يتم بها تقييم الأصول, فالكل ينادي بضرورة وجود معايير محاسبية دولية جيدة، إلا أن المفاهيم تختلف حول ماهية هذه المعايير الجيدة, فالمعايير الأمريكية على سبيل المثال تقوم بتسعير الأصول وفقاً لسعر السوق mark – to – market بينما الحكومات الأوروبية تميل إلى إيجاد معايير مرنة تأخذ في الاعتبار وجهة نظر الجهات الرقابية أكثر من اهتمامها بمصالح المستثمرين.
من الاستعراض السابق يخرج المرء بانطباع بأن القمة قد تخرج باتفاق حول المكافآت، أما كفاءة رأس المال ومستوى السيولة والقواعد المحاسبية قد تنتظر لبعض الوقت، حيث لا يبدو أن هذه الموضوعات لها صفة الاستعجال, فالبنوك حالياً لديها سيولة كافية نتيجة لقيام الحكومات بضخ ما تحتاج إليه، والاقتصاد العالمي ما زال هشاً وربما لا يستطيع تحمل قيود جديدة على نشاط البنوك.

2 ـ من المتوقع ألا تحصر القمة عملها في أمور فنية بحتة ككفاءة رأس المال والقواعد المحاسبية وإنما ترتقي إلى حل المشكلات الدولية الملحة إذا أرادت أن تنتقل من مرحلة غرفة عمليات لإدارة الأزمة المالية إلى نواة لآلية جديدة لإدارة الاقتصاد الدولي وحل مشكلاته. لذا سيشتمل جدول الأعمال على عدد آخر من الموضوعات أهمها:

أ ـ تحرير التجارة الدولية ومحاربة التوجهات الحمائية التي بدأت تطل برأسها جراء الأزمة الحالية, فبيان القمة سيؤكد ما ورد في بياناته السابقة حول ضرورة عدم اللجوء إلى الحمائية والوصول إلى نهاية ناجحة لجولة الدوحة قبل نهاية 2010، إضافة إلى تأكيدها ضرورة توفير التمويل اللازم للتجارة الدولية من المصادر الرسمية إلى أن تتمكن البنوك من القيام بدورها في هذا الشأن.

ب ـ إصلاح المؤسسات المالية الدولية بما في ذلك صندوق النقد الدولي والبنك الدولي وتوفير التمويل اللازم لها. في قمة العشرين الثانية (في لندن) تقرر توفير 1000 مليار دولار لصندوق النقد الدولي, وفي اجتماعات وزراء المالية في بداية هذا الشهر شرع في التنفيذ عن طريق قيام صندوق النقد بإصدار سندات بمبلغ 500 مليار دولار والتزام عدد من الدول بتغطيتها، كما قام الصندوق ببيع جزء من موجوداته من الذهب. ويتوقع من قمة بتسبرج أن تركز على إصلاح هذه المؤسسات عن طريق تعديل الحصص لتمكين الدول الصاعدة كالصين والهند والبرازيل من الحصول على قوة تصويتية أكبر تمكنها من التأثير في القرارات الاقتصادية الدولية. وعبرت كل من الولايات المتحدة وكندا عن رغبة كل منهما في التنازل عن جزء من حصتها لهذا الغرض, إلا أن الدول الأوروبية التي تمثل حصص بعضها نسباً تفوق وزنها في الاقتصاد الدولي ما زالت تقاوم هذا التوجه. وفي هذا الصدد عبر وزير المالية السعودي أثناء الاجتماع الأخير لوزراء مالية مجموعة العشرين عن معارضة المملكة أية توجهات لتخفيض حصة المملكة على اعتبار أن المملكة هي إحدى الدول النامية، وحصتها الحالية تعكس وزن اقتصادها إقليمياً ودولياً وأنها حالياً تتحمل أكثر من نصيبها من الأعباء باستثمار مزيد من مواردها الذاتية لتوفير الطاقة للاقتصاد العالمي.

ج. إعادة النظر في النظام النقدي الدولي في ضوء الضعف الحالي للدولار والتذبذب الحالي في أسعار صرف العملات الرئيسية. وفي اعتقادي أنه رغم الأصوات التي نسمعها بين الحين والآخر في هذا الشأن، ورغم أن السندات التي سيصدرها صندوق النقد الدولي للصين ستكون بالعملة الصينية فإن هذا الموضوع لا يحظى بالإجماع المطلوب ولن يحصل أي تقدم يذكر بشأنه في هذه القمة.
د. التصدي لمشكلات التنمية بما في ذلك نقص الغذاء وانتشار الأوبئة بين الحين والآخر. وفي هذا الصدد قد يتضمن البيان الختامي التزاماً جديداً من قبل الدول الصناعية بتوفير زيادات حقيقية في مساعدات التنمية للدول النامية اعتباراً من عام 2010 لكن من المشكوك فيه أن تصل هذه المساعدات إلى الهدف الذي سبق أن أعلن عنه وهو في حدود 1.1 ترليون دولار بنهاية عام 2015.

هـ. التغير المناخي وتضافر الجهود الدولية لإنقاذ كوكبنا من الدمار. لم تنجح اتفاقية كيوتو للتغيير المناخي بسبب عدم تقيد الدول بتنفيذ الالتزامات الواردة فيها. وقد يكون السبب أن هذه الالتزامات لم تكن عملية بما فيه الكفاية. قد يطلب من القمة توفير التمويل اللازم لإيجاد تكنولوجيا جديدة وفاعلة لمحاربة التغير المناخي، وإيجاد آلية جديدة للسيطرة على انبعاث الكربون عوضاً عن الآلية الموجودة في اتفاقية كيوتو، مع توفير حوافز مادية للاستثمار في التكنولوجيا النظيفة، وربما الاتفاق على تحرير التجارة للسلع التي تساعد على تنظيف البيئة. إن هذه الأفكار هي نوع من التمنيات التي يقترحها الخبراء ولا يتوقع أن يحصل تقدم بشأنها في هذه القمة على الأقل.

و. تعهد الرئيس الفرنسي بأن يطرح على قمة العشرين إعادة النظر في حساب الدخل القومي القائم الذي سبق اعتماده منذ ثلاثينات القرن الماضي لقياس الرفاه البشري ومعدلات النمو للدول. والهدف من ذلك هو الوصول إلى مقاييس أكثر منطقية ودقة. وقد قام الرئيس الفرنسي بتكليف لجنة من ألمع الاقتصاديين من ضمنهم عضوان اثنان حاصلان على جائزة نوبل في الاقتصاد لدراسة هذا الموضوع. وفي اعتقادي أنه حتى لو نجح الرئيس الفرنسي في إدراج هذا الموضوع على جدول أعمال القمة فإن قراراً بشأنه سوف ينتظر طويلاً. وقد يحال الموضوع إلى لجان فنية.

ز. آخر نقطة في هذا الجدول الحافل للقمة هو مأسسة القمة نفسها. فهل تعقد مرة أخرى ومتى وأين؟ فهناك اقتراح بعقدها في أبريل القادم في كوريا الجنوبية لإعطاء آسيا الدور الذي تستحقه وللتأكيد على مركزية قمة العشرين في صنع القرارات الاقتصادية الدولية. وفي هذا العدد لا بد أن نعيد للأذهان ما ذكره الرئيس الأمريكي أوباما أثناء مشاركته في قمة العشرين الثانية في لندن ''.. أعتقد أننا ما زلنا في مرحلة البدايات, فمشكلاتنا لا يمكن حلها في اجتماع واحد. كما لا يمكن حلها في اجتماعين. يجب أن نكون مستعدين أن نشارك بفاعلية في صنع الأحداث''.

الخلاصة

إن جدول أعمال القمة الثالثة لمجموعة العشرين حافل بالموضوعات الاقتصادية المهمة بعضها يكتسب صفة الاستعجال وجزء منها مع أهميته سينتظر دوره ويخضع للتمحيص والمساومات, كما اعتدنا في المؤتمرات الدولية.
ففيما يخص البنوك قد يتفق القادة على موضوع المكافآت إلا أن كفاءة رأس المال والقواعد المحاسبية سيتم تأجيلها وإحالتها إلى اللجان الفنية لمزيد من الدراسة.
كما قد يحصل اتفاق فيما يخص إعادة توزيع الحصص في مؤسسات التمويل الدولية إلا أن التوقيت المحدد للتنفيذ هو كانون الثاني (يناير) 2011. لكن يجب ألا يؤثر ذلك سلباً في حصص كل من المملكة العربية السعودية وبقية دول مجلس التعاون على اعتبار أنها دولاً نامية وأن حصصها الحالية تعكس وضعها الاقتصادي إقليمياً ودولياً وأنها تتحمل أكثر من نصيبها من الأعباء الدولية باعتبارها تقوم بتوفير الاستثمار اللازم من مواردها الذاتية لتوفير الوقود اللازم للاقتصاد العالمي.
لن تكون هناك مناقشات جادة فيما يخص إصلاح النظام النقدي الدولي. قد يشتمل البيان الختامي على التزام بتوفير موارد جديدة للتنمية ابتداءً من عام 2010 إلا أن من المشكوك فيه أن تكون هذه الزيادات كافية لإحداث تغير ملموس في الأوضاع الاقتصادية للدول النامية.
لا يتوقع أن يحصل تقدم يذكر فيما يخص التغير المناخي.
سيحصل نقاش مطول حول موعد ومكان الاجتماعات القادمة ومدى جدية ورغبة القمة في أن تتحول قمة العشرين إلى مؤسسة جديدة لإدارة الاقتصاد العالمي.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي