خرافة الهيكل والخطر على الأقصى
من تبسيط الأمور الظن بأن محاولة قطعان من اليهود الصهاينة، ممن يوصفون بالمتشددين المهووسين بالأساطير والخرافات التوراتية، اقتحام حرمة المسجد الأقصى كما حدث أخيرا، وكما يهددون بشكل مستمر باقتحامه تحت غطاء مناسباتهم الدينية، على أنها مجرد حدث معزول عن سياق مخطط تآمري يهودي صهيوني يستهدف إزالة هوية القدس الإسلامية خصوصا والمسيحية لاحقا لتحقيق تهويدها بالكامل، بل تأتي هذه المحاولات، وهنا خطورتها، بناء على خرافة اخترعها اليهود من لا شيء ومن ثم صدقوها، وهي خرافة هيكلهم المزعوم الذي يزعمون بأن المسجد الأقصى مقام في مكانه وعلى أنقاضه، ولهذا تأتي محاولاتهم المستمرة بهدف هدم المسجد الأقصى تمهيدا لإنشاء هيكلهم الثالث المزعوم مكانه، وهذه الحقيقة المرة والمؤلمة لم تعد مجرد مؤامرة تدبر بليل، بل مخطط معلن يعمل عليه في وضح النهار، ويعملون على تنفيذه حثيثا أمام ناظرينا كعرب ومسلمين بعد شبه تيقنهم بأننا وصلنا إلى درجة من الضعف حتى بتنا لا نستطيع الذب عن مقدساتنا، ولولا صمود ومجاهدة إخوتنا المقدسيين المرابطين حول المسجد الأقصى، وتصديهم في كل مرة لمحاولات اليهود لاقتحامه بصدورهم العارية ولكن بإيمانهم الراسخ وثباتهم القوي، وليس في أيديهم من سلاح إلا حجارة أرضهم المباركة، قواهم الله وشد أزرهم، لنفذ اليهود والصهاينة مخططهم الإجرامي هذا منذ زمن بعيد.
في ذلك كله وحول هذه الخرافة، تتعارض الحقائق التاريخية وأدلتها مع ادعاءات اليهود والصهاينة حول مطلبهم بإقامة هيكلهم الثالث الذي يصرون فيه على الزعم بأنه كان قائما مكان بناء المسجد الأقصى حاليا، قبل هدمه على يد القائد الروماني «تبطس» سنة سبعين قبل الميلاد، وهو هيكلهم الثاني بعد الأول الذي هدمه أيضا «نبوخذنصر» البابلي سنة (586) قبل الميلاد وعلى الرغم من أن الروايات تتضارب حول حقيقة ومكان هياكلهم الغابرة، إلا أن ما يهمنا في الوقت الراهن هو رواية المكان، لما لها من مساس بأحد أهم مقدساتنا الإسلامية وهو المسجد الأقصى. هناك أدلة عديدة تنفي وتدحض ادعاءهم بأن المكان المقام عليه المسجد الأقصى، هو نفس المكان الذي كان قائما عليه هيكلهم المزعوم، وأول هذه الأدلة هو عجز اليهود على مدى 42 عاما من احتلالهم القدس الشريف في عدوان 1967م، وعلى تقديم دليل أثري يؤكد مزاعمهم، فقد شرعوا وجهدوا منذ اليوم الأول لاحتلالهم للقدس على القيام بعمليات حفر وتنقيب واسعة ومستمرة حول وتحت المسجد الأقصى بحثا عن بقايا هيكلهم الثاني، وفي كل مرة وعلى مدى أربعة عقود لا يجدون إلا آثارا إسلامية فقط، دون العثور على أي أثر لبقايا هيكلهم المدعى، وهذا ما أثبته تقرير للجنة تقصي حقائق دولية كلفت من «عصبة الأمم» السابقة لهيئة الأمم المتحدة الحالية عام 1925م لفض النزاع الإسلامي اليهودي في القدس بإقرارهم بأن «حق ملكية حائط البراق وحق التصرف فيه وفيما جاوره من الأماكن موضع البحث هو للمسلمين، وإن حائط البراق نفسه جزء لا يتجزأ من الحرم المقدسي»، بل إن عالمة آثار بريطانية اسمها الدكتورة «كاتالين كابنيوس» وكانت تعمل مديرة الحفائر في المدرسة البريطانية للآثار في القدس، أكدت في تقرير لها عام 1968م، أي بعد عام من احتلال القدس، أنه لا وجود لآثار للهيكل في القدس، وتحديدا تحت مبنى المسجد الأقصى، وهو ما استدعى سلطة الاحتلال الصهيوني لطردها من البلاد.
القضية الآن ليست مجرد جدل تاريخي وأثري حول حقيقة أو عدم حقيقة خرافة هيكلهم المزعوم، بل القضية باتت تمس بقاء ووجود أحد مقدساتنا الإسلامية في المسجد الأقصى، وما يتهدده فعلا من خطر الهدم، واليهود الصهاينة بخبثهم المعروف وحين وجدوا بأن حججهم التاريخية ضعيفة، ويؤكد ضعفها فشلهم في العثور على أي أثر يدعم ادعاءاتهم، لجأوا لأساليب خبيثة عرفوا بها طوال تاريخهم، فقاموا وتحت غطاء التنقيب بالحفر تحت مبنى المسجد الأقصى بطرق مدروسة تهدف لإضعاف أساساته لخلخلة بنائه وذلك حتى يتساقط وبشكل يظهر أنه طبيعي، وجعله من الضعف بحيث لا يصمد أمام أي هزة أرضية ولو ضعيفة، وبذلك يحققون هدفهم بإزالة ركامه والشروع في بناء هيكلهم الثالث الذي جهزوا له فعلا معداته وأدواته الدينية وتصاميمه الهندسية الجاهزة، وهذا واضح من مسار الحفريات القائمة حاليا، ومنها حفر نفق أسفل محراب المسجد وبطول 20 مترا، ونفق أسفل جامع عمر الجناح الجنوبي الشرقي للمسجد، وأسفل الأروقة الجنوبية الشرقية، وأسفل الأبواب الثلاثة للأروقة الواقعة تحت المسجد الأقصى برمته، وهذه الحفريات التي تخلخل أساسات المسجد الأقصى، هي ما يهدد بناءه، ويساعد على سقوطه لا قدر الله.
بقي أن نقول إن التهديد الذي يتعرض له مسجدنا الأقصى، بات جديا وخطيرا، وأخطر ما فيه أنه يحدث في لحظة غيبوبة عربية إسلامية، وما يستغرب له فعلا هو أن تلك الحمية الإيمانية الكبرى التي دافعت عن نبينا عليه أفضل الصلاة والسلام حين تعرض لتلك الرسوم المشينة، تغيب حاليا في قضية قدس الأقداس ومسجدنا الأقصى وأرض الإسراء والمعراج، وأكثر ما فيها من خطورة هو أن هذه المحاولات للتعدي على مسجدنا الأقصى، تأتي في ظل حكومية صهيونية مشكلة من خليط المتطرفين الصهاينة العنصريين والمؤمنين بخرافات وأساطير صهيونية، وما لم يقف العالمان العربي والإسلامي في وجه هذا المخطط، فإن العواقب ستكون وخيمة فيما لو نفذ اليهود الصهاينة مؤامرتهم على الأقصى.