عقبات في طريق المصرفية الإسلامية
منذ انطلاقها قبل نحو 30 عاما اكتسبت المصرفية الإسلامية قبول الجمهور من مستثمرين ومدخرين, فكونها منطلقة من تعاليم ديننا الحنيف جعل منها نظاما إنسانيا اجتماعيا عالميا متكاملا, وبرهنت على قدرتها على مواكبة تطورات الصناعة المصرفية الحديثة وتلبيتها متطلبات المجتمعات، ويأمل القائمون عليها أن تكون نموذجا مثاليا لإدارة القطاع المالي والنظام المصرفي للعالم, بعيدا عن جميع سلبيات النظام الربوي ومحققا العدالة في المجتمع بشتى صورها,
وكأي نظام يريد تحقيق أهداف سامية تواجه المصرفية الإسلامية في طريقها تحديات وعقبات يجب على القائمين عليها تجاوزها ليتسنى لها تحقيق الأهداف المرجوة منها.
فمنذ بزوغ فجر المصرفية الإسلامية حتى يومنا هذا لم تتلق ـ وللأسف ـ الدعم المطلوب من الحكومات الإسلامية, فمعظم الدول الإسلامية لم تعتمد النظام المصرفي الإسلامي رسميا وما زالت منكفئة على النظام التقليدي الربوي, كما أن تدني مستوى الثقافة الإسلامية والوعي الفردي والمجتمعي في المجتمعات الإسلامية عن النظام المصرفي الإسلامي كان أحد أكبر العوائق أمام المصرفية الإسلامية, ولو وعى المسلمون وفهموا خطورة التعامل بالمصرفية الربوية وأن صاحبها مرتكب لكبيرة وملعون على لسان النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ لأغلقت أغلبية المصارف التقليدية الربوية وكذا المؤسسات المالية الأخرى أبوابها في دول العالم الإسلامي، ولانتشر العمل المصرفي الإسلامي وتنامى بسرعة وقوة.
إن من المؤسف أن تكون أغلبية المؤسسات المالية التي تدير القطاع المصرفي العالمي هي مؤسسات تدعو إلى اعتماد النظام الربوي التقليدي، وكذلك فمن المحزن أن كثيرا من الجامعات والكليات والمعاهد تتولى مهمة تعليم وتثقيف علم الاقتصاد طبقا لمرئيات ذلك النظام, بل هي الأساس الذي تبني عليه وتدعمه وتساعد على انتشاره واستمراره, لذا فإن من الضروري في المقابل أن تتوجه حكومات العالم الإسلامي لإنشاء جامعات متخصصة تعنى بتعريف الاقتصاد الإسلامي, ومراكز للأبحاث والدراسات المصرفية الإسلامية تعكف على ابتكار أساليب وأدوات ومنتجات حديثة للتمويل والاستثمار تواكب المعايير الدولية وتتفق مع مبادئ الشريعة الإسلامية وأحكامها.
إضافة إلى ما سبق فإن من العوائق الرئيسة في سبيل المصرفية الإسلامية أن كثيرا من موظفي المؤسسات الإسلامية هم خريجو المعاهد والكليات والجامعات التي تنتهج النظام المالي السائد في الدول الغربية ويصعب عليهم أحيانا فهم المفاهيم والمصطلحات والأحكام والمبادئ التي يقوم عليها النظام المصرفي الإسلامي, وهو بلا شك أمر يسبب إرباكا في سير عمليات تلك المؤسسات وأنشطتها ومشاريعها.
ولا يوجد حل لمثل هذه المعضلة إلا بتأهيل وإعداد الكوادر البشرية المتخصصة القادرة على إدارة المصارف الإسلامية الموجودة والتوجه نحو إنشاء معاهد متخصصة تحتضنهم وتقوم بتدريسهم الأنظمة المالية الإسلامية الضرورية المهمة ضمن برامج متخصصة مكثفة، واعتماد الحصول على شهادة منها كأحد الاشتراطات للتوظيف والعمل في المؤسسات المالية الإسلامية, وهو أمر دعا إليه كثير من الغيورين على المصرفية الإسلامية، وما يجدر التنبيه إليه أنه يجب على المصرفية الإسلامية أن تولي جانب التقنية اهتماما كبيرا لتسهيل وتيسير التعامل المالي المصرفي, فليس العمل بالنظام الإسلامي معناه التخلف والبعد عن التطور.
لقد رسمت المصرفية الإسلامية لنفسها قبل ثلاثة عقود أهدافا عديدة إلا أنها ما زالت بعيدة نوعا ما عن تحقيق تلك الأهداف, فمثلا على صعيد الاتساع الجغرافي لم تزل أغلبية الدول الإسلامية, فضلا عن غيرها, تعتمد النظام الربوي, وعلى صعيد التمويل لم يتجاوز نصيب التمويل الإسلامي 1 في المائة من مجمل التمويل في العالم. إذا كان هذا عن الأهداف الثانوية فماذا عن الأهداف الأساسية كتنمية المجتمع وتحقيق عدالة التوزيع، إن المسؤولية تقع على عاتق الجميع ويجب أن تتوافر الجهود وأن نهتم بالإصلاح لا بالنقد اللاذع الذي لا يضيف شيئا ولا يغير وإنما في كثير من الأحيان يفتح الباب أمام من يتربص بالمصرفية الإسلامية ويكن لها العداء.