التركيز على العميل معيار للجودة
راجعت في شهر رمضان هذا العام فرع إدارة الأحوال المدنية في محافظة الخبر لتعديل مسمى المهنة ففوجئت عند تسلم البطاقة بأنها تخلو من أي ذكر للتعديل الذي طلبته، ولما استفسرت عن ذلك فهمت من مدير الفرع أنه جرى استبعاد المهنة من البطاقة بهدف التخفيف من ضغط العمل الذي كان ينتج عن إعادة إصدار البطاقة كلما جرى تعديل المهنة، كما وضح لي أن على كل من يريد إثبات مهنته استخراج «برنت» سجل مطبوع بالكمبيوتر تصدره الأحوال المدنية بموجب خطاب رسمي من الجهة الطالبة، فعلقت قائلا: إن إثبات المهنة كان في السابق أيسر حالا حيث كان يتم بموجب البطاقة, ثم تساءلت لماذا لا يجري تسهيل الإجراء، حيث يزود المراجع بسجل الكمبيوتر دون الحاجة إلى خطاب رسمي، فرد مدير الفرع إنها التعليمات، عندها فهمت أن الحوار قد أقفل وأنه لا يرغب في مواصلة الحوار إلى أكثر من ذلك الحد.
أعادتني هذه الحادثة إلى عقدين من الزمان عندما كنت مشاركا في ورشة عمل خاصة بإدارة الجودة الشاملة، حيث كانت شركتنا تسعى لتطبيق مبادئ الجودة في جميع عملياتها، لقد كان المحاضر والاستشاري يؤكد دائما على التركيز على العملاء الداخليين والعملاء الخارجيين في كل خطوة يتم فيها إعداد وكتابة إجراءات العمل لكل عملية من عمليات الشركة, ثم استرجعت ما دار بيني وبين مدير فرع الأحوال من حديث حول التعديلات التي تمت على بطاقة العائلة وإجراءات إثبات المهنة، وتساءلت كيف يمكن تقييم هذه التعديلات والإجراءات من منظور المبادئ التي تتبناها إدارة الجودة الشاملة؟
مبدئيا لا يمكن اعتبار تلك الخطوات متوافقة مع مبادئ إدارة الجودة الشاملة لأكثر من سبب أولا لم تقم هذه الإجراءات بتخفيف ضغط العمل بشكل كامل لأن التعديلات الجديدة خلقت نوعا آخر من العمل يتمثل في إجراءات إثبات المهنة التي لم يكن لها وجود في السابق وربما صار حجمها معادلا أو يزيد على حجم إجراءات إعادة إصدار البطاقة، وثانيا لم تأخذ التعديلات في حسابها ردود الأفعال المتوقعة لدى المراجعين «العملاء» فمن غير الوارد ترحيبهم بهذه الخطوة لما فيها من حرمان حامل البطاقة من سهولة إثبات مهنته بموجب البطاقة، ثالثا المطالبة بإحضار خطاب رسمي كشرط للحصول على إثبات المهنة فيه مسؤوليات وتكاليف مستجدة على الأطراف الأخرى أولها المراجع فعليه بذل جهد ووقت أطول يمضيه متنقلا بين موقعي الجهة الطالبة والأحوال المدنية خاصة عندما تكون المسافة بعيدة بين الموقعين، وثانيها هناك الجهد والوقت المبذول من الجهات الطالبة لإصدار تلك الخطابات.
طبعا الإشكالية في العمليات المشابهة للمثال آنف الذكر منتشرة بشكل واسع في الكثير من الدوائر في القطاعين العام والخاص عندما تعد أو تجري بعض التعديل على إجراءاتها، حيث ينحاز الموظفون إلى إجراءات العمل التي تخدم مصالحهم أكثر من انحيازهم لما يخدم مصالح عملائهم. وهذه المشكلة التي تتكرر كثيرا ويشكوا المراجعون والعملاء دائما منها هي نتيجة مباشرة لإغفال أهم مبادئ إدارة الجودة الشاملة, حيث يدعو أول مبدأ إلى التركيز على العملاء فيطالب المنظمة بأن تعتمد على عملائها لفهم حاضر ومستقبل احتياجاتهم والعمل على تلبية مطالبهم والسعي لتجاوز توقعاتهم, كما يطالب المبدأ الثاني بأن تقوم المنظمة بالتحسين المستمر لأدائها بناء على الحقائق وليس على الانطباعات والتقديرات الشخصية, وبالتالي فإن غياب مثل هذه المبادئ أثناء ممارسة العمل يوقع العاملين في المنظمة في إشكالية تنفيذ بعض عملياتها بصورة غير موفقة, كما أنها لا تلقى استحسان العملاء أو المستفيدين من خدمات هذه المنظمة وأكبر شاهد على ذلك كثرة الشكاوى في الصحف المحلية من مستوى الخدمة غير المرضي والتي لا تستثني أي إدارة أو مؤسسة في القطاعين العام أو الخاص.