لا تنافسية دون تعليم عالي الكفاءة
التقارير الصادرة عن المنظمات الدولية كثيراً ما تضع العالم العربي في ذيل القائمة في كثير من المؤشرات المتعلقة بالتنمية الاقتصادية والإنسانية، فرغم ضخامة الموارد المتاحة إلا أن ربع بطالة الشباب في العالم توجد في العالم العربي، حيث ينتشر الفقر ويسود الإحباط واليأس. أحد هذه التقارير المؤلمة التصنيف العالمي لنوعية التعليم دون الجامعي quality of primary education الوارد في تقرير التنافسية العالمي المنشور في أيلول (سبتمبر) الماضي، حيث حققت معظم الدول العربية أداء متدنياً حتى مقارنة بعديد من الدول النامية، فمن بين 133 دولة غطاها التقرير بينها 12 دولة عربية، جاء مستوى التعليم العام في مصر في المرتبة 124، وفي ليبيا في المرتبة 106، وفي الجزائر في المرتبة 104، وفي المغرب في المرتبة 99، وفي الكويت في المرتبة 88، وفي سورية في المرتبة 82، وفي السعودية في المرتبة 71، ثم في عمان في المرتبة 54. وقد كانت قطر الدولة العربية الوحيدة بين أفضل عشر دول في العالم من حيث نوعية التعليم العام، حيث حققت المرتبة السابعة، كما جاءت الإمارات وتونس في موقع متقدم نسبياً بتحقيقهما المرتبتين 19 و25 على التوالي.
هذا الواقع المزري للتعليم في العالم العربي جعل مجلة «الإيكونومست» تصف التعليم في العالم العربي في مقال نشر قبل أيام بالتعليم المتعفن rotten education وأن تحمل هذا التعليم كامل المسؤولية عما يعانيه العالم العربي من حالة تخلف وفقر، ودللت على ذلك بالأداء المتواضع جداً للطلاب العرب في المسابقات الدولية كافة التي تجرى في العلوم والرياضيات، إلى حد أنه في إحدى المسابقات بين طلاب تراوح أعمارهم بين 12-13 عاماً تمكن 1 في المائة فقط من طلاب عشر دول عربية مشاركة من تحقيق نتائج عالية في اختبار معياري في العلوم بينما تمكن 32 في المائة من طلاب سنغافورة من تحقيق هذه النتيجة.
هذا الواقع يصبح أكثر غرابة عندما نعرف أن الدول العربية لا تقل إنفاقاً على التعليم كنسبة من دخلها القومي عن غيرها من دول العالم، إن لم تتجاوز الكثير منها. فسنغافورة التي حققت المرتبة الثانية في تقرير التنافسية العالمي من حيث نوعية التعليم العام كانت في المرتبة 109 من حيث نسبة ما ينفق على التعليم من الدخل القومي، كما أن سويسرا التي حققت المرتبة الرابعة من حيث نوعية التعليم العام كانت في المرتبة 41 من حيث الإنفاق على التعليم، في حين أن المملكة حققت مركزاً متقدماً في نسبة ما ينفق على التعليم من دخلها القومي وهي المرتبة السابعة على مستوى العالم في الوقت الذي نجد أن مستوى تعليمها العام في المرتبة 71 عالميا. وهو وضع لا يتسق مطلقا مع استهدافنا لأن نكون من بين أفضل عشر دول في العالم من حيث التنافسية، فلا يمكن لأي بلد في العالم أن يحقق ذلك ونظامه التعليمي في مثل هذا الوضع.
وقبل عدة أشهر عندما كتبت مقالاً عن خطأ تحويل الدراسة في الجامعات إلى الإنجليزية وأن هذا التوجه يظهر عدم فهم لحقيقة المشكلة التي يعانيها نظامنا التعليمي تلقيت مكالمة هاتفية من أحد المسؤولين التعليميين مؤكداً ما ذهبت إليه وذكر لي أنهم أجروا اختبارا في الرياضيات لعدد من خريجي القسم العلمي في الثانوية العامة وكانت نتيجة الاختبار أن معظم الطلاب حصلوا على أقل من 20 درجة من مائة درجة، المؤلم أن هذا الاختبار لم يكن في رياضيات الثالث ثانوي وإنما في حساب الصف الأول متوسط، ما يجعلك تتساءل عن حقيقة وضع نظامنا التعليمي الذي يسمح لطالب أن يتجاوز رياضيات الصف الثالث ثانوي دون أن يكون لديه الحد الأدنى من الاستيعاب لحساب الأول متوسط.
والحقيقة أن من أهم أسباب إعاقة إصلاح نظامنا التعليمي هو عدم تشخيص المشكلة التي يعانيها بشكل سليم، فأمام عدم استيعاب خريجي الثانوية العامة حساب الأول متوسط نقوم بتعديل المنهج ونعيد تصميم الكتاب المدرسي ونلغي الاختبارات ونستبدلها بالتقييم ونحو ذلك من جهود شكلية، بينما المشكلة الحقيقية هي في من يُدرِّس الحساب وفي من يدير عملية التدريس وفي من يشرف على العملية التعليمية، أي أن المعضلة الحقيقية هي تدن مزمن في أداء كل من له علاقة بالعملية التعليمية وفي مستوى تحصيل الطالب لا في طبيعة ما يتم تحصيله، بحيث أصبحت مخرجات نظامنا التعليمي تفتقر إلى معارف ومهارات يفترض معرفتها وإتقانها ممن لم يكمل تعليمه الابتدائي، ويحدث هذا رغم كل ما تخصصه الدولة من موارد مالية هائلة لقطاع التعليم ما يؤكد ضخامة وصعوبة مهمة من يتصدى لعملية إصلاحه.