ما وظيفة التشاؤم؟
يمتلك كثير من الناس نظرة تشاؤمية للأمور، حتى المتفائلون منا يواجههم التشاؤم من وقت إلى آخر، فهل للتشاؤم قيمة تجاه تطور الأمور؟ و لماذا سمحت عملية الانتقاء الطبيعي بتوارث التشاؤم عبر الأجيال؟ و ما الوظيفة المتوازنة التي يلعبها التشاؤم في حياة البشر؟
قد يدعم التشاؤم أحيانا تلك الرؤية الواقعية التي نحتاج إليها، ففي بعض الأحيان قد يصبح الارتكان إلى نظرة تفاؤلية تامة أمرا غير مرغوب الجانب، مثل المواقف التي تحتاج إلى شيء من الحذر والقلق لاستباق الأحداث قبل خروجها عن السيطرة، ورؤية تلك المواقف من خلال النظارة الوردية فقط من شأنه مواساتنا لكنه لا يغير من الأمر كثيرا، فقائد الطائرة مثلا لا يحتاج إلى نظرة تفاؤلية ولكن لإحساس واقعي تماما يمكنه من التعامل مع المخاطر المحتملة.
ما دور التشاؤم؟
ربما يصحح أشياء فعلناها في حالة تفاؤل زائد دون تقدير صحيح للواقع، حيث يجعلنا التشاؤم نتروى قبل الإقدام على توقعات التفاؤل المغامرة، فنفكر مرتين ولا نكون متسرعين.
وعلى الرغم من أن لحظات التفاؤل تتضمن مخططات عظيمة وتوقعات كبيرة قد تشوه الحقيقة لتخدم الأحلام، ولكن دون تلك الأوقات ما كنا لنتوصل إلى المستحيل ولما كنا نعتقده من قبل صعب المنال، ولما استطاع أحد أن يتسلق قمة إيفرست، أو أن يكتشف الكهرباء، ولأصبحت أوراق اختراع الطائرة النفاثة والحاسب الآلي في سلة مهملات أحد المديرين الماليين لإحدى الشركات.
ولهذا.. تكمن فائدة التطور البشري في الشد الديناميكي بين التفاؤل والتشاؤم، لتصحيح الجوانب السلبية لكل منهما، وكما ترتفع الحالة المعنوية وتنخفض مع دورة المتغيرات اليومية، فإن الشد الديناميكي كذلك يمنحنا روح المغامرة والحذر لإبعادنا عن المخاطر، فكلما اقتربنا من الحافة جذبنا إلى الوراء وذلك التردد الأبدي هو الذي يسمح للجنس البشري بالاستمرار في الحياة.
إن عملا كبيرا ناجحا يتطلب أفرادا ذوي نظرات مختلطة من التشاؤم والتفاؤل، فينبغي أن يتسم المخططون والمبتكرون والباحثون ومسؤولو التسويق في مؤسسة ما بنظرة تفاؤلية تمنحهم استبصار أمور لم تحدث بعد، واستحداث ميزات جديدة تحتفظ لهم بقيمة تنافسية، ولكن تخيل شركة تتكون من المتفائلين فقط الذين يركزون على الاهتمامات المستقبلية، إنها لكارثة لأن الشركة تحتاج أيضا للمتشائمين ذوي المعرفة الدقيقة بالحقائق الحالية، فكل من أمين الخزانة والمحاسبين العموميين والمديرين الماليين ومهندسي الصيانة يحتاجون إلى الوعي العميق بما تواجهه الشركة من تحديات ودورهم هو الحذر والاستعداد.
إن الحياة الناجحة مثل الشركة الناجحة تحتاج إلى المتفائلين والمتشائمين، والشخص الناجح بداخله مسؤول تنفيذي يوازن بين القرارات الجزئية والحكيمة، فعندما يحفزه التفاؤل لانتهاز الفرصة يمنعه التشاؤم من الإقدام قبل التروي والدراسة الكافية، وهكذا هي الإدارة الحكيمة للذات التي تستخدم جرعات متساوية من التفاؤل والتشاؤم ولديها القدرة على التنقل بمرونة بين النظرتين.