برنامج نشر ثقافة حقوق الإنسان

جاءت موافقة خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز على برنامج نشر ثقافة حقوق الإنسان لتؤكد العناية بالعنصر الأهم في المجتمع ألا وهو الإنسان، الإنسان الذي كرمه الله على باقي المخلوقات وسخر له الكائنات والموجودات حوله لتحمله الأمانة الكبرى على وجه البسيطة. وفي تقديري أن الضمانة الأكيدة لحفظ حقوق الإنسان هي التمسك الحقيقي بتعاليم الإسلام وآدابه, إذ يمكننا القول إن الإسلام جاء من أجل الإنسان وحفظ كرامته والسمو به. والمتتبع لنصوص الوحيين يرى منظومة قيمية حقوقية لا تضاهيها أي اتفاقية وضعية أرضية. ولا غرو ولا عجب فإن صانع الشيء أعلم بما يصلحه ويستقيم به أمره, والله تعالى خلق الإنسان وأنزل القرآن منهجا له في مناحي حياته كافة. لقد جاء الإسلام بثنائية الحق والواجب التي تميزت عن المناهج الوضعية المعاصرة التي تنادي بالحقوق وتغفل عن الواجبات حتى صنعت مجتمعات أنانية تقوم على الصراع من أجل الحقوق بين مختلف طبقات المجتمع, وقد عقد ابن خلدون فصلا في أن العرب لا يصلحهم إلا أثر من نبوة أو دين.
وبحكم عيشي في كنف موضوع حقوق الإنسان ما يقارب ثلاث سنوات, إذ كانت أطروحة الدكتوراة حول التربية على حقوق الإنسان في ضوء المنهج الإسلامي, فإن الأمانة العلمية تحتم تجلية وإثارة بعض النقاط المهمة في هذا المجال.
لا شك أن هذا من مسؤولية الأكاديميين من شرعيين وحقوقيين وتربويين, أقول هذا لأن ثمة أصواتا تتغافل وتتجاهل هذه المنظومة في الوقت الذي تمجد فيه حقوق الإنسان في المواثيق الدولية المعاصرة.
ولا يعني هذا مصادمة هذه المواثيق أو عدم قبولها ولكن يجب أن نتحلى بمزيد من الثقة بالنفس والثقة بمنظومتنا القيمية الحقوقية التي قد نحرم الآخر منها بسبب ضعفنا وهواننا.
كما أن ثمة أمرا مهما يعطي هذه المبادرة الكريمة من لدن خادم الحرمين الشريفين بالغ الأهمية, إذ جاءت في وقت نحن أحوج ما نحتاج فيه إليها، فالمتأمل في الممارسات اليومية وسلوك عينة غير قليلة من الناس يجدها تنضح بألوان من الظلم والتعدي على الإنسان من قبل أخيه الإنسان, تذكيه عوامل كثيرة على رأسها المادية الطاغية على مسارات حياتنا المختلفة وتغذيه في الوسط الاجتماعي موروثات اجتماعية خطيرة على رأسها العصبية والقبلية والمناطقية وضعف هيبة النظام في نفوس البعض ما يفضي إلى المحسوبية, التي هي صورة من صور الظلم، كما تذكيه النفسية العربية التي تحمل شعار «لنا الصدر دون العالمين أو القبر». ناهيكم عن مؤشرات الجريمة التي تصاعد إيقاعها وتنوع في الآونة الأخيرة.
إن التعبير عن الرأي واستنطاق الآخر سلوك إيجابي يعكس الاهتمام بالإنسان وحقوقه إلا أننا لا نكاد نجد مثل هذه الممارسات في وسائط تربيتنا المختلفة بدءاً من الأسرة وانتهاءً بالجامعة. ودعوني أذكر لكم معاشر القراء أنموذجا لهذا, أذكر أني أشرفت على تقييم عضو هيئة التدريس من قبل طلاب الدراسات العليا وكان هذا التقييم ضمن أدبيات الجودة في الجامعة, والذي صدمني أن ثمة مجموعة كبيرة أحجمت عن هذا التقييم على الرغم من تأكيدنا على سريته والتعامل من النتائج إجمالا! فتأملوا كيف يحجم الإنسان عن الرأي وإبدائه. إنها ثقافة مجتمعية تجيد (الوشوشة) وتحجم عن فضاءات الحرية المنضبطة بضوابط الشرع. ولا شك أن حقوق الإنسان ثقافة وممارسة واعية يجب على كل مؤسسات الدولة سواءً كانت الحقوقية أو التربوية أو الإعلامية تحمل مسؤولياتها تجاهها من خلال رؤى واضحة واستراتيجيات طموحة وعمل مخلص دؤوب. وفي تقديري أن الحوار الوطني خطوة إيجابية في هذا الصدد لكننا في حاجة إلى خطوات أخرى في دوائرنا المختلفة.
ما أحوجنا جميعاً إلى نشر ثقافة التسامح والأخوة والتراحم في بيئتنا الاجتماعية، ولقد جاء هذا البرنامج بأهدافه العامة وسياسات تنفيذه ووسائله ليمثل خريطة الطريق نحو هذه الغاية السامية لاستثمارها والدفع بها إلى حيز الواقع، كيف لا وهي قضيتنا جميعاً!
نعم يقع على هيئة حقوق الإنسان وضع الرؤى والخطط التنفيذية المفصلة, وهذا ما نصت عليه المادة الخامسة من قرار مجلس الوزراء القاضي بتنظيم هيئة حقوق الإنسان، إلا أن من الأهمية مشاركة وزارة التعليم العالي ووزارة الإعلام, لا سيما فيما يتعلق بالمادة الـ 12 من القرار ذاته المتعلقة بإنشاء مركز للنشر والإعلام والتوثيق والترجمة في مجال حقوق الإنسان, الذي من مهامه نشر المبادئ والمفاهيم الأساسية لحقوق الإنسان وتأصيل ثقافتها.
إن الاستثمار في الإنسان هو هاجس الدول والمجتمعات المتقدمة, وهو بالفعل الاستثمار الحقيقي .. فهل نعي ذلك بالفعل؟!

خاطرة:
شهور طوال وهذي الجراحْ
تمزّق جنبي مثل المدى
ولكنّ أيّوب إن صاح صاحْ:
لك الحمد، إن الرزايا ندى
وإنّ الجراح هدايا الحبيبْ
أضمّ إلى الصّدر باقاتها
هداياك في خافقي لا تغيبْ
هداياك مقبولة. هاتها

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي