أين يجب التبرؤ من المشركين..؟
بعد سنوات توقف فيها الإيرانيون عن محاولات القيام بمسيرات سموها «البراءة من المشركين» والدعوة والتحريض عليها في مواسم حج سابقة، عادت هذه النغمة النشاز مرة أخرى على لسان جهات إيرانية معينة تطالب الحجاج الإيرانيين باستئناف هذه المسيرات خلال حج هذا العام، وما بين توقفها أثناء مرحلة تحسنت فيها العلاقات السعودية الإيرانية، والعودة للدعوة إليها من جديد هذا العام وسط بروز خلافات سياسية بالدرجة الأولى، تتضح مفارقة لها دلالتها السياسية الانتهازية، فتزامن التلويح بنية العودة لإثارة القلاقل في الحج مع وجود خلاف سياسي، يكشف عن وجود نية واضحة تتمثل في استخدام الدين وتوظيفه لأغراض وأهداف سياسية لا علاقة له بها، وإلا لماذا تثار هذه المسألة في الوقت الحالي بعد أن ظن أن الإخوة في إيران قد اقتنعوا من التجارب السابقة المؤسفة بخطأ هذا المسلك المنافي لشعيرة الحج والمتعارض مع التوجيه الرباني بأنه لا رفث ولا فسوق ولا جدال فيه، وكذلك لإدراكهم وبوضوح تام رفض العالم الإسلامي قاطبة المساس بأمن الحج واطمئنان الحجيج؟ خصوصاً وهناك إجماع إسلامي على عدم تسييس موسم الحج، وتفريغه لعبادة خالصة لوجهه تعالى.
السلبية الأخرى في هذا الشأن هي في استناد وتبرير أصحاب هذه الدعوة في إيران لمطالبتهم بمثل هذه المسيرات في الحج تحت شعار البراءة من المشركين، إلى أنها التزام وتطبيق لما جاء في سورة «التوبة» من آيات كريمة حول هذه البراءة، وبعيدا عن الخوض في التفسير وأسباب النزول ومقاصد الآيات الكريمة بما يعرفه ويدركه علماء الفقه والتفسير المستندون فيه على ثوابت الأقوال، نفهم ويفهم كل مسلم وسطى مقاصد آيات البراءة في السورة القرآنية الكريمة على أنه قصد بها منع المشركين من دخول الحرم المكي المطهر بعد الفتح، وهذا المنع ملتزم به ومنفذ منذ عهد رسول الله - عليه الصلاة والسلام - وحتى يومنا هذا، فالحرم المكي الشريف ومعه حرم مسجد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في المدينة المنورة ما زالا ممنوعين على غير المسلمين، فلا يوجد فيهما ولله الحمد لا شرك ولا مشركون، وهو منع كما نعرف خاص بحدود الحرمين الشريفين، ولا يسري على بقية المكان حولهما.
ودون الحاجة إلى الدخول في جدل حول هذه المسألة، نستند إلى سيرة السابقين، فلم نقرأ ولم نسمع طوال تاريخنا الإسلامي بأن المسلمين لا في عهد الرسول - عليه الصلاة والسلام - ولا خلفائه الراشدين ولا من جاء بعدهم أنهم درجوا على القيام بمسيرات براءة أثناء مواسم الحج، لم نسمع بذلك ونره إلا بعد قيام الثورة في إيران والتي يسيطر عليها ملالي المذهب الاثني عشري الشيعي المعروف بتشدده حيال المذهب السني تحديدا، فهذه المسيرات مما ابتدعته الثورة ضمن مبدأ تصديرها الذي تبنوه في بداياتها، والذي فشل آنذاك فشلا ذريعا وما زال خصوصا بين الشيعة العرب والذين أدركوا وتنبهوا بأنه يهدف لإثارة الفتن والقلاقل في بلدانهم، حيث يعيشون في أمن وأمان، ومع هذا أصرت الأجنحة المتشددة في نظام الثورة على استغلال مواسم حج سابقة بدفع جماعات منظمة من الحجاج الإيرانيين للقيام بمسيرات أدت لوقوع صدامات مؤسفة خلال أداء شعيرة مقدسة لكافة المسلمين.
بعد أن عادوا لطرق هذا الموضوع مرة أخرى وفي هذا الوقت تحديدا لأهداف وغايات واضحة وضوح الشمس بأنها مرتبطة بمواقف سياسية ليس خافيا انتهازيتها، نقول لهم إننا على استعداد تام للاتفاق معكم على مشروعية وفرض البراءة من المشركين، ولكننا نود أن نسأل أين علينا إعلان هذه البراءة التي يدعونها ويدعون إليها حسب واقع الحال وليس الافتراض الخيالي..؟، هل علينا التبرؤ من المشركين في الأراضي المقدسة، مكة والمدينة، حيث لا يوجد على ثراهما الطاهر لا شرك ولا مشركين..؟، أم في أماكن أخرى يعتبرها الإخوة الشيعة مقدسة هي الأخرى مثل كربلاء والنجف الذي يصفونه بـ «الأشرف» ولا ندري أشرف مم؟ من بيت الله الحرام مثلا؟! وهي ترزح تحت احتلال أجنبي غير مسلم؟!، فلماذا يأتون لفعل ذلك في مكة المكرمة وهي طاهرة ومطهرة من الشرك والمشركين، ويتركون كربلاء والعتبات المقدسة عندهم والنجف، حيث يتواجد على ترابها بالكامل هؤلاء المشركون الذين يريدون إعلان البراءة منهم؟! ألا يعتبرون النجف وكربلاء والعتبات والمراقد مقدسة عندهم..؟، أم لا يرون أنه تنطبق عليها وفيها البراءة من المشركين؟..!!؟
يبدوا لنا أن هناك سياسة ومخططا مقصودا ومستهدفا لخلط الدين بالسياسة والسياسة بالدين لمقاصد نفعية بحتة واستغلالا له من قبل الإخوة في إيران وتوظيفه لإثارة البلبلة والجدل العقيم، وهم بارعون في هذا المجال، وهذا يتضح جليا في العراق المحتل بقوات أجنبية غير إسلامية، فالغزو الأمريكي للعراق واحتلاله توافق مع مصالح وسياسات إيران على خلفية تناقضها الحاد مع نظام صدام حسين السابق من ناحية، وأطماعها المذهبية في العراق من ناحية أخرى، ومن دلائل ذلك أن معظم القوى التي جاءت مع الاحتلال وعملت معه فيما بعد وما زالت هي قوى مرتبطة مذهبيا ومحسوبة سياسيا على إيران حتى هذه اللحظة، وتعاونت معه على احتلال العراق وتدمير ليس فقط النظام، بل كيان ومؤسسات الدولة العراقية، وهذا ما يجعلنا نسأل إن كانت البراءة من المشركين لها تعريف ومفهوم مختلف عند الإخوة في إيران؟..!! وإلا كيف تتوافق الدعوة للبراءة من مشركين هنا وموالاتهم هناك؟..!!