مستقبل أسعار النفط
ارتفعت أسعار النفط خلال الأشهر القليلة الماضية إلى مستواها الحالي الذي يراوح بين 70 و80 دولاراً للبرميل، بعد أن هبط بسرعة الصاروخ من 147 إلى ما يُقارب 35 دولاراً، بعد وقوع الأزمة المالية الطاحنة العام الماضي. وصعود السعر إلى المستوى الحالي كان إلى درجة كبيرة نتيجة لظهور بوادر تحسن في نمو الاقتصاد العالمي. ولعل الكثيرين يتساءلون عن سبب القفزة التي أوصلت سعر برميل النفط في غضون فترة وجيزة إلى 147 دولاراً، ومن ثم تراجعه الأكثر غرابة إلى 35 دولاراً. أما الحركة الأولى، فيكاد يُجمع المراقبون على أنها كانت بسبب نزعة خوف من أن الإنتاج العالمي قد قارب بلوغ الذروة، واحتمال عدم مواكبته لكمية الطلب المتزايد، مما أتاح الفرصة للمضاربين بأن يلعبوا دوراً فاعلاً في عملية رفع الأسعار إلى تلك القيمة القياسية. ومن الواضح آنذاك أن السعر كان في طريقه إلى مستويات أعلى، لو لم تتدخل الأزمة المالية وتجبره على الهبوط. ونزول الأسعار السريع إلى ما دون 25 في المائة من مستوى أعلى سعر وصل إليه، كان أمراً مُحيِّراً بكل المقاييس. والتفسير المنطقي لذلك، هو أن الأزمة المالية صاحبها نقص طفيف في الطلب على الطاقة، بينما ظل المنتجون يضخون الكميات نفسها التي كانت سائدة قبل نزول كمية الطلب، مما أوجد فائضاً كبيراً، أعطى انطباعاً عكس ذلك الذي أوحى برفع الأسعار قبل الأزمة المالية. وكان بإمكان الدول المصدرة، وعلى وجه الخصوص دول الأوبك، أن تُخفِّض من إنتاجها مُباشرة مع بداية النزول الحاد للأسعار من أجل أن تتفادى ذلك الانحدار المرعب، الذي ليس له ما يُبرره.
ولعله من المناسب أن نذكر في هذا المقام معلومة مُهمة فيما يتعلق بمستقبل الاحتياطيات النفطية. فقد ذكرت بعض الصحف الغربية أن وكالة الطاقة الدولية، وهي هيئة استشارية كونتها الولايات المتحدة والدول الأوروبية في منتصف السبعينيات، لم تكن تذكر الحقيقة كاملة في تقاريرها عن مستقبل الإنتاج النفطي في العالم. وكانت، تحت ضغوط أكثرها أمريكية، غالباً ما تُضخِّم الأرقام حتى لا يُفهم منها أننا على وشك الوصول إلى ذروة الإنتاج، وهو ما قد يُثير الذعر في الأوساط المالية التي هي في بداية طور التعافي من الأزمة التي عصفت بها. وقد تنصَّلت الوكالة، على استحياء، من تسريب تلك الأخبار وقالت إنها غير صحيحة، ونحن لا نستبعد أن تكون وكالة الطاقة ميالة لإرضاء أمريكا.
وكان قد وصل مجموع الإنتاج العالمي قبل حلول الأزمة المالية إلى 86 مليون برميل في اليوم، ثم انخفض قليلاً إلى المستوى الحالي البالغ 84 مليون برميل، استجابة للوضع المتردي للاقتصاد العالمي. وبمجرد أن تبدأ الأوضاع الاقتصادية في التحسن، وهو ما يتوقع حدوثه المتفائلون، سنلحظ تغييراً تصاعدياًّ في الأسعار ربما يتخذ هذه المَرة صفة الاستمرار، نظراً لأن الإنتاج العالمي من النفط سيبدأ في التراجع، في الوقت الذي يرتفع خلاله الطلب على مصادر الطاقة، مع غياب البدائل، وهو أمر لا يخفى على معظم المهتمين بشؤون الطاقة. و كان من المفروض أن يُحفِّز ذلك الدول ذات الاستهلاك الكبير لأن تعمل بجد لإيجاد بدائل جديدة لمصادر الطاقة، تكون آمنة ودائمة ومعتدلة التكاليف، وفي الوقت نفسه صديقة للبيئة وفي متناول الجميع. ونخشى أن يكون توافر كميات كبيرة من النفط أخيرا في الأسواق العالمية نتيجة لتأثر الطلب بسبب الأزمة المالية قد أثر سلباً في الجهود المتواضعة الموجَّهة نحو تطوير بدائل جديدة، رغم علمنا بأن ما هو حاصل اليوم من ضعف في الطلب على النفط هو حدث مؤقت سيزول قريباً، فعجلة التحسن الاقتصادي تدور.
وجود فائض في السوق النفطية لا يعنى على الإطلاق أن الحقول المنتجة ستستمر بالحفاظ على ما تحويه من الاحتياطي القابل للإنتاج. فهناك نسبة معينة، قد تصل إلى مُعدل 6 في المائة تفقدها حقول النفط سنوياًّ، ويتمثل ذلك في تدني كمية الإنتاج اليومي من الحقل. فلو فرضنا أن الطلب على الطاقة سيزيد عن المستوى الحالي خلال الـ 15 شهراً المقبلة كما نتوقع، فهناك احتمال أن يزول فائض الإنتاج ويكون الطلب متوازنا مع الكمية المتوافرة في السوق. وحينئذ، فإن أي زيادة في الطلب سترفع الأسعار. ومن المؤكد أن البدائل الجديدة لمصادر الطاقة ستختلف في أدائها وبطبيعة استعمالها عن المواد النفطية التي تُهيمن اليوم على إنتاج الطاقة بواسطة الاحتراق الداخلي في وسائل النقل وتوليد الطاقة الكهربائية، وهو ما يعني أننا مقبلون على عصر جديد من تنوع لمصادر الطاقة يتطلب بُنية تحتية وتصميما خاصا لكل مصدر يختلف عن الآخر، وهذا مما قد يرفع تكلفة إنتاج الطاقة.
ورغم الأعداد الكبيرة لمراكز بحوث الطاقة التي تجري في مختلف دول العالم من أجل إيجاد بدائل للطاقة النفطية القابلة للنضوب، فلم يظهر بعد ما يمكن أن يكون ندًّا للنفط من حيث التكلفة والسعر وسهولة الاستخدام. ولذلك فقد ''أدمن'' العالم على استخدام النفط وأصبح يسيطر على جميع شؤون حياتنا من وسائل النقل المختلفة وتوليد الطاقة الكهربائية وزراعة وتصنيع المواد الغذائية وتعبيد الطرق إلى المنتجات البتروكيماوية التي تُمدنا بأنواع لا تُحصى من أنواع السلع الاستهلاكية. وهناك منْ يقول إن عصر النفط سيدوم عقوداً طويلة دون إثبات حقيقي، وظنهم مبني فقط على أمل وجود حقول كبيرة لم تُكتشف بعد. وفئة أخرى يخشون من بدء نقص الإمدادات النفطية خلال سنوات قليلة، وذلك بناء على الزيادة المستمرة في الطلب والنضوب الطبيعي التدريجي للحقول المنتجة. ومُحدثكم ينتمي إلى الطرف الأخير الذي يتوقع حدوث أزمة طاقة خلال الـ 15 سنة المقبلة، تربك الاقتصاد العالمي وتُهدد بقيام منازعات دولية ونقص في الغذاء، إذا لم يستدرك العالم الأمر ويؤمن مصادر جديدة للطاقة. ولا نعلم كيف ستصير عليه الحال بعد انخفاض إنتاج النفط، وهو الذي أسهم في رفع مستوى المعيشة والصحة والتعليم لجميع شعوب الأرض لما يزيد على القرن. ونحن كمنتجين رئيسيين للنفط لا نخشى وجود بدائل جديدة تُنافس مصدر ثروتنا، فالنفط دون نفسه ما دام موجودا وسيظل المسيطر على الساحة لما له من المميزات التي لن تتوافر في غيره من البدائل المعروفة. ونؤكد أن البدء في استخدام بدائل جديدة لمصادر الطاقة المتجددة سيفيدنا من أجل التخفيف من الضغوط الهائلة المُسلطة علينا من قِبل الدول المستهلكة.