إنه جسر المحبة وليس جسر المعاناة
صرح قومي عربي أبدعته ألمعية الملك فهد -ـ رحمه الله - ورؤيته البعيدة الحصيفة. أنعش هذا الجسر طموحنا القومي. البحرين .. الجزيرة صارت ولأول مرة في التاريخ جزءا من اليابسة.. من يابسة جزيرتنا. والبحرين كانت وستبقى منها ولها، ولا شبهة في الاسم أو الانتماء. إنه أول مشروع قومي إقليمي تم في عالمنا العربي، قرب القلوب والمسافات والمصالح وجذر الأمن، وأكد الانتماء, إنه حدث تاريخي وسيبقى كذلك.
البعض من ذوينا بجغرافيتهم النائية عن المنطقة الشرقية, يجهلون أهمية هذا الجسر المتعاظمة والمتزايدة، ويعتبرونه - سامحهم الله - مرتعا (للزكرتيه). الواقع عكس ذلك، هذا الجسر صار شريان التنمية والمصالح المشتركة بين البحرين والسعودية, بل الجزيرة العربية، من تجارة وسياحة وتعليم. نمو مطرد في النشاط المالي والمعماري والتجاري، والتسوق والترابط العائلي. بل بفضله تمكن التبادل التجاري في هذه المنطقة أن يكون من أنشط فعاليات التجارة البينية في المنطقة العربية. ليس فقط بين السعودية والبحرين, حيث تنامت أضعاف أضعاف ما كانت عليه قبل الجسر، بل هناك حركة دؤوبة عبر الجسر من دول الخليج تجارة وسياحة، وممراً لتجارة الشام وما حولها. هذا الجسر صار شريان حياة للبحرين وللمنطقة الشرقية، خيره يعم وأهميته تنمو لتكون المملكة الشريك التجاري الأول للبحرين، كما أن نمو الاستثمارات في البحرين وتوسعها عقارياً وسياحياً وخدماتياً وبنكياً ما جعل البحرين أحد نمورنا الخليجية الثلاثة ( دبي - قطر - البحرين).
اتضح خلال السنوات القليلة الماضية أن الجسر صار قاصراً عن تحمل الحركة المتزايدة عليه. الناقلات الكبيرة الثقيلة تنتظر في أرتال تغطي الكيلو مترات.. لتنتظر العبور بعد ساعات متأخرة، والعابرون قد يمتد انتظارهم لعبوره ساعات طويلة (خمس أو ست ساعات). الحركة والازدحام على الجسر أصبحت القاعدة وليست الاستثناء.
لقد تبين أن الحاجة إلى هذا الجسر وفوائده وأدائه وأدواره كانت أكثر مما تصوره مصمموه ودارسوه. يعبر هذا الجسر سنويا ما يقارب ثمانية ملايين سيارة، و17 مليون مسافر، ويعبره يومياً معدل ألف شاحنة، كل هذه الأرقام يمكن مضاعفتها نوعاً أو كماً لو كان هذا الجسر يتقبل. سلبيات الجسر بدأت تتعاظم على حساب حسناته. تحول عبور المسافر والبضاعة إلى عبء مكلف سببه إجراءات الجسر البطيئة والازدحام اللذان أديا إلى ضياع الوقت، خصوصاً لمن لديه أعمال والتزامات، مثل المسافر الدولي والطالب والموظف. المعاناة صارت حديث الجميع. إن محاولة التوسعة المتواضعة التي تنفذ حالياً في منطقة الجسر ليست الحل والازدحام سيستهلكها عن قريب، لا بد أن يكون الحل جذريا مستقبليا .. ما الحل؟
الحل هو في إنشاء سكة حديد موازية للجسر تربط البحرين بالسعودية لنقل المسافر والبضائع، وهذا المشروع سيوفر على الجسر جزءا كبيرا من المعاناة, وسيحدث تطور إيجابيا في الحركة التجارية التي تهمنا في السعودية، هذا المشروع كما الجسر مربح. وسكة الحديد لديها القدرة أن تضاعف طاقتها دون أن تتسبب في ازدحام أو تكدس.
حل من هذا النوع يمكن تنفيذه عن طريق إنشاء شركة مساهمة لهذا الغرض تنفذ سكة الحديد وتدير الجسر وتشغله. القدرة على التمويل موجودة محليا وإقليميا وما هذا إلا جزء من نظام الخصخصة الذي تنادي به دولتنا الكريمة.
هذا المشروع الناجح الحيوي التنموي في حاجة إلى إدارة متابعة حيوية سريعة الأداء والحركة، فالجسر حالياً يعاني إدارة أشبه ما تكون بإدارة منطقه حدودية وليست إدارة مرفق متداخل المصالح ومتنوع الأبعاد. الإدارة بطيئة ولا تنظر في مصالح المسافرين ولا تأخذ في الحسبان طبيعة أهدافهم وظروفهم. وهناك عقبات مثل احتكار التأمين لشركة واحدة بدلا من قبول بوليصات التأمين لدى عابري الجسر .. لماذا لا تقبل؟ ولماذا الاحتكار؟
نعتز بهذا الجسر ونأمل تطويره ليكون قادرا على الإسهام في تنمية واتساع تبادل المصالح خليجيا وعربيا, إضافة إلى أبعاده القومية والاجتماعية والأمنية.. نبارك لدولتنا هذا المجهود.