زوبعة البيبسي
لقد أفصحت ردود الفعل حول الزيادة في أسعار البيبسي عن حقيقة مهمة عن كيفية تحول السلع الكمالية إلى احتياجات أساسية، فهل أصبحت المشروبات الغازية بشكل عام والبيبسي بشكل خاص ضرورة؟
لقد أعلنت الشركات المصنعة للمشروبات الغازية في المملكة رفع سعر البيبسي من ريال واحد إلى ريال ونصف في زيادة قياسية في السعر تبلغ 50 في المائة، بعد هذا الإعلان هبت عاصفة من الاستنكار والشجب على رفع الأسعار في جميع وسائل الإعلام وضجت المجالس الخاصة والبيوت بتحليل الزيادة وأسبابها، حتى وزارة التجارة صرحت بعدم موافقتها على رفع الأسعار وأن المبررات لا بد أن تكون منطقية لأي رفع للأسعار وأنها ستتخذ مجموعة من الإجراءات!!
حتى إنني بدأت أشك في الخبر .. هل هو حقيقة أم شائعة؟ هل زيادة السعر هي للبيبسي أم للخبز والرز! وهل البيبسي هو المشروب الغازي, الذي لا يعرف مكوناته أحد أم هو الماء الذي لا يستغني عنه أحد؟! وهل البيبسي هو ذلك الشراب الأسود حار المذاق عديم الفائدة كثير الضرر عسير الهضم أم هو الحليب ذلك الشراب الأبيض اللون لذيذ الطعم كثير الفائدة الضروري للجسم؟
في لقاء لي على الهواء مع قناة ''الاقتصادية'' سألني المقدم سؤالا مباشرا حول رأيي في زيادة أسعار البيبسي، فأجبته أن هناك مجموعة من المبررات للزيادة ساقتها الشركات المصنعة يمكن اختصارها في أن الشركات المنتجة تضررت كثيرا من ارتفاع التكاليف خلال 20 سنة الماضية في حين بقي سعر البيبسي على السعر نفسه، فقد ارتفعت تكلفة السكر والألمنيوم والكرتون والبلاستيك والزجاج والرواتب .. إلخ, ما جعل الشركات المنتجة تتخذ القرار الصعب - من وجهة نظرها - لتستطيع البقاء, كما أن سعر البيبسي في المملكة يعد من أقل الأسعار للبيبسي في العالم! ثم سألني المقدم عن رأيي أنا وليس مبررات المنتجين فصارحته بأن رفع الأسعار في رأيي يقوم على رهان صعب من قبل المنتجين على محورين الأول ضعف المنافسين والآخر ولاء المستهلكين، أما مبررات حجة رفع السعر لتتمكن من البقاء فأعتقد أنها تلاعب بالألفاظ, فالذي حدث أن الشركات المنتجة أصبحت تربح أرباحاً أقل (مثلاً 30 في المائة بدلاً من الربح المستهدف وهو 80 في المائة)، أما مقارنة السعر بالدول الأخرى فأعتقد أن تكلفة مدخلات الإنتاج في المملكة أقل بكثير من الدول الأخرى, كما أن الشركة تعمل كشركة محلية معفاة من الضرائب, التي تقتطع حصة كبيرة من إيرادات الشركات المنتجة خارج المملكة.
كما أنني لم أعرف حقيقة ما سبب الضجة التي أقامتها وزارة التجارة واعتراضها على السعر وطلبها مبررات الزيادة، حيث إن للشركة الحق مثل الشركات الأخرى ومثل أي منتج آخر في تحديد السعر الذي تراه مناسباً لمنتجها وفقاً لتكاليفها وأرباحها المستهدفة، فالبيبسي ليست سلعة أساسية حتى تركز الوزارة على تسعيرها فهو ليس لبنا أو حليبا أو خبزا أو رزا أو سكرا، كما أن البيبسي له عديد من البدائل (المماثلة في التركيب والطعم, إضافة إلى الأضرار الصحية المماثلة)، وأعتقد أن كثيرا من السلع التي تصنع محلياً أو تستورد أولى بالرقابة على الأسعار من البيبسي، فالدجاج واللحوم وكثير من المواد الاستهلاكية والغذائية وخدمات الجوال والإنترنت والكهرباء, بل حتى الشاورما, أكثر أهمية من البيبسي، ومع ذلك تتم زيادة أسعارها دون حسيب ولا رقيب.
لا أخفي فرحتي بزيادة أسعار المشروبات الغازية، ليس لأني أملك سهماً في مصانعها، فملاكها معروفون، ولكن أتمنى أن تخفض زيادة سعرها من بيع منتجاتها وإقبال المستهلكين عليها، فنظرتي إلى هذه المشروبات لا تختلف عن نظرتي للدخان (التبغ)، والفرق هنا هو أن الجميع يعرفون أن التدخين مضر بالصحة وأنه مسبب للسرطان، بينما المشروبات الغازية القلة فقط تتحدث عن مضارها الصحية على الصحة عامة وعلى الكلى خاصة، الفرق الثاني أن التدخين في رأي المجتمع سلوك غير حضاري بينما يقدم البيبسي في الولائم مع الوجبات كجزء من الضيافة، الفرق الثالث أن التدخين يقتصر شراؤه على الكبار بينما يستطيع أي طفل حتى لو كان يحمل مصاصته في يده أن يشتري البيبسي، الفرق الرابع أن سعر الدخان يبقى سعراً مرتفعاً، ما يحد من كثرة الاستهلاك بينما يستطيع أي مستهلك يحمل ريالاً أن يشتري هذا المشروب السحري، كما أنني في الحقيقة أتمنى أن ترتفع أسعارها لتصبح أكثر من ريالين هي والمشروبات الغازية الأخرى، بل أتمنى أن تفرض وزارة التجارة عليها ضريبة إضافية مقابل تكاليف علاج المستهلكين هي وأخواتها من المشروبات عديمة الفائدة كثيرة الضرر بما فيها مشروبات الطاقة، لعل زيادة أسعارها تجعل المستهلكين يحجمون عن شرائها.
ختاماً .. تبقى الكلمة الأخيرة للمستهلك، الذي يجب أن يقول كلمته فإما أن يكون مستهلكاً فاعلا يحول استهلاكه إلى البدائل الأخرى الأكثر فائدة, خاصة العصائر ومنتجات الألبان، أو يكون مستهلكاً تابعاً ومتلقياً ويقبل رفع الأسعار بروح انهزامية, ما يعزز توجه التجار والمصنعين الآخرين إلى رفع الأسعار بشكل عشوائي مبالغ فيه دون أي حساب للمستهلكين والسوق.