مراقبون: دخول الصناديق الحكومية الاستثمارية يحد من تفاقم الأزمة السكانية

مراقبون: دخول الصناديق الحكومية الاستثمارية يحد من تفاقم الأزمة السكانية

في ظل الحاجة الكبيرة لتوفير مساكن للمواطنين ينظر الخبراء والمختصون في مجال الإسكان إلى أهمية وجود سوق للتمويل العقاري تتسم بالكبر والاتساع والتنوع، وأن دور المؤسسات الحكومية يجب أن يكون أكثر عمقاً من السابق بالنظر إلى اتساع الفجوة الإسكانية وعدم استطاعة شريحة كبيرة من المواطنين الحصول على مسكن دون تمويل بقروض حسنة تقدمها الدولة.ويأتي على عاتق مؤسسات وصناديق الدولة كصندوق الاستثمارات العامة والمؤسسة العامة للتقاعد والتأمينات الاجتماعية مسؤولية كبيرة في حل ما نسبته 50 في المائة من أزمة السكن، بالنظر إلى أن هذه الجهات تملك احتياطيات مالية ضخمة تقوم باستثمارها في حسابات بنكية أو أوراق مالية أو عن طريق الاستثمار المباشر في المجمعات التجارية الضخمة، ويمكن عن طريق تلك الوفورات المالية تقديم مسؤولية اجتماعية يحتاج إليها المواطن عبر توفير مئات الآلاف من الوحدات السكنية بقروض ميسرة على فترات سداد طويلة، مع التأكيد على أن ذلك لن يؤثر بشكل سلبي في الصناديق والمؤسسات الحكومية بل سيكون استثماراً مضافاً إلى استثماراتها المتنوعة, كما سيحقق واجباً اجتماعياً ملحاً.
لكن المشكلة الذي تعانيها أغلب الحكومات هي في كيفية التجاوب مع الفئات ذات الدخل المحدود، والتي لم يسعفها الحظ في الحصول على قرض سكني باللّجوء إلى السوق المالية نظراً لعدم قدرتها و تجاوبها مع اشتراطات التمويل، وغالباً ما تكون احتياجات هذه الفئة لا تتطابق مع المتطلبات التي تفرضها المؤسسات المالية، وعليه فإن البنوك والمؤسسات المالية وحدها لن تحل كل الأزمة الإسكانية خصوصاً للفئات ذات الدخل المحدود، الأمر الذي يتطلب جهود جهات حكومية و خيرية تسهل لهم الحصول على سكن اجتماعي كصندوق التنمية العقاري وبنك التسليف ومؤسسات الإسكان الخيري, وتلك الأخيرة بدأت تلعب دورا أكبر من السابق في توفير مئات المساكن للمواطنين من ذوي الحاجة في كافة مناطق المملكة. ومع شح الأراضي الممنوحة للمواطنين وطول مدة إيصال الخدمات، وغلاء أسعار الأراضي المطورة فإن أعدادا كبيرة من المواطنين تعاني صعوبة الحصول على أراض صالحة للسكن، فضلا عن قيمة البناء، وأمام تلك الضغوط ترتفع أعداد الوحدات المستأجرة مع مرور الوقت، ويرى عدد من المواطنين في شقق التمليك والدبلكسات صغيرة الحجم حلا سريعا لأزمة السكن وغلاء الأسعار إلا أن نقص البرامج التمويلية وارتفاع قيمة الفائدة السنوية للتمويلات المقدمة من البنوك والشركات التمويلية قد يحول دون الحصول على أقل الوحدات السكنية حجما وتكلفة.
وهنا تبرز أهمية توفير البيئة التنظيمية والتشريعية ليحمل قطاع التمويل العقاري على عاتقه مسؤولية حل أزمة السكن المتفاقمة، بالتعجيل في إصدار المنظومة التمويلية وتأسيس شركة لشراء القروض العقارية على غرار شركة «فاني ماي» الأمريكية والتي أعلن عنها سابقاً، وبحسب اقتصاديين وماليين فإن هذه المبادرات الحكومية في حال انتقالها إلى حيز التنفيذ واعتمادها رسمياً ستساعد في ارتفاع نشاط قطاع التمويل العقاري, الأمر الذي سينعكس إيجابياً على النشاط الاقتصادي، وسيتيح سوقا تمويلية بمليارات الريالات, متوقعين أن يصل حجم صناعة التمويل العقاري في المملكة إلى 150 مليار ريال سنويا بعد أن كان حجم التمويل العقاري المقدم من البنوك وشركات التقسيط والشركات المالية لا يتجاوز عشرة مليارات ريال في السنة، وأن هذا الرقم الكبير سيستهدف تمويل المواطنين بهدف الحصول على مساكن وتمويل المطورين العقاريين بهدف توفير كميات كبيرة من المساكن لمحاصرة الأزمة الإسكانية، إضافة إلى نشاطات عقارية أخرى كالوحدات التجارية والصناعية والسياحية التي تمثل حاجة مستهدفة.
ومنذ عشرات السنين كانت الجهود الحكومية داعما رئيسيا ومحركا قويا للتمويل العقاري قبل دخول القطاع الخاص للاستثمار القوي فيه. إلا أن تلك الجهود التي تبذلها المؤسسات التمويلية الحكومية كصندوق التنمية العقاري وبنك التسليف أصبحت الآن تمارس دورها في حدود ضيقة نتيجة اتساع الفجوة الإسكانية، وتكدس أعداد الراغبين في الحصول على مسكن، وبحسب  بعض الأرقام فإن 400 ألف مواطن يصطفون في طوابير الانتظار للحصول على قرض الصندوق. وطبقاً لهذا الرقم الكبير فإن فترة الانتظار ستراوح بين 10 و20 سنة إذا ما تم دعم الصندوق بمليارات الريالات، إضافة إلى ذلك فإن قيمة القرض البالغة 300 ألف ريال لا تفي بكامل قيمة الأرض فضلاً عن البناء، الأمر الذي دعا مجلس الشورى الموافقة بشكل سريع على رفع قيمة القرض إلى 500 ألف ريال إلا أن هذا الرقم أيضاً لا يفي بقيمة الأرض والبناء الفعلية.
ويقدم بنك التسليف قروضا يمكن وصفها بالسريعة مقارنة بصندوق التنمية العقاري إلا أن قروضه في المجال العقاري محدودة وفي نطاق ضيق جدا لا يؤثر في حجم الطلب على القطاع الإسكاني وهو الآخر مطالب بتوسيع دائرة اهتمامه بالقطاع الإسكاني من خلال توفير برامج تمويلية للمواطنين تخولهم شراء وحدات سكنية صغيرة كشقق التمليك والدبلوكسات، ما يقلل الضغط على صندوق التنمية العقاري يتيح تنوعا في الصيغ التمويلية الممنوحة للمواطنين.  ويحذر العديد من المختصين من تفاقم الأزمة الإسكانية وتطورها إلى أبعاد لا تحمد عقباها في ظل ارتفاع أسعار الأراضي وأسعار مواد البناء مقارنة بالسابق، دون وجود مؤسسات حكومية تدعم القطاع الإسكاني ببناء منازل لذوي الدخل المحدود، وتقديم برامج تمويلية تفي بقيمة البناء الفعلية لتلك الأعداد الكبيرة على طوابير الانتظار عبر ضخ مليارات الريالات للمؤسسات الحكومية العاملة في مجال التمويل الإسكاني باعتبار أن المسكن أهم ما يملكه الإسكان.
وكانت دراسة كشفت عن وجود معوقات تحد من نمو القطاع الإسكاني يأتي في  مقدمتها صعوبة الحصول على قرض من صندوق التنمية العقاري والذي يشكل التمويل المالي الرئيس في بناء المساكن للفئات الاقتصادية متدنية ومتوسطة الدخل, إضافة إلى ارتفاع أسعار الأراضي.
وأكد عدد من الاقتصاديين والمتخصصين في شؤون الإسكان على أهمية إنشاء شركة مستقلة «مساهمة عامة» تملك الدولة جزءا منها مهمتها الاستثمار في قطاع المساكن وتكون من ضمن مسؤولياتها تقديم مساكن لذوي الدخل المحدود ، على أن تقدم الدولة الأرض الخاصة ببناء مساكن ذوي الدخول المحدود مجاناً للشركة التي يشارك فيها إلى جانب الدولة الشركات التمويلية والصناديق العقارية والمواطنين، مع ضرورة توفير مصادر أخرى لتمويل المطورين العقاريين كإصدار سوق للسندات مهمتها تمويل المشاريع الإسكانية تحت مظلة ورقابة هيئة السوق المالية.
إلى جانب ذلك رأى مختصون أن المرحلة الحالية تتطلب من صندوق التنمية العقاري أن يطور من آلية عمله عبر الاستثمار المباشر في القطاع الإسكاني، وتقديم منتج نهائي للمواطن، مؤكدين أن ذلك سيحقق قفزة قوية في عمل صندوق التنمية العقاري بالتحول إلى الاستثمار المباشر في القطاع العقاري وتقديم منتج متكامل يعود نفعه على المواطن والصندوق والقطاع العقاري، وأن تلك الخطوة في حال القيام بها على نطاق واسع ستؤدي إلى القضاء على 50 في المائة من الأزمة الإسكانية على المدى القريب.
ودعت دراسة حديثة قامت بها «كسب» للأوراق المالية إلى التعجيل من حل أزمة الإسكان عبر عدد من المقترحات منها:
- تفعيل دور صندوق التنمية العقاري وإعادة هيكلته وتوفير وتحديث آليات العمل التي يسير عليها ومن ذلك الاستثمار المباشر بأن يتملّك الصندوق أراضي حكومية كبيرة في المناطق المحتاجة إلى الوحدات السكنية بكثافة ويقيم عليها الوحدات السكنية المطلوبة بهدف بيعها أو إيجارها للمواطنين بسعر التكلفة، وهذه الفكرة معمول بها في بعض الدول.
- إشراك المؤسسات الحكومية الأخرى عامة والمؤسسات الاستثمارية خاصة للمساعدة في حل المشكلة، كالمؤسسة العامة للتقاعد والتأمينات الاجتماعية وصندوق الاستثمارات العامة، فهذه الجهات تملك احتياطيات مالية ضخمة تقوم باستثمارها في حسابات بنكية أو أوراق مالية أو عن طريق الاستثمار المباشر في المجمعات التجارية الضخمة, وبقي أن تقوم تلك الجهات بواجبها الوطني بالمساهمة بحل مشكلة الإسكان عن طريق إقامة المجمعات السكنية وهذه المجمعات تعد أصولاً تضاف إلى محفظتها الاستثمارية وإيراداً سنويا يتحقق منه عائد ربحي وليست عبئاً أو خسارة عليها.

الأكثر قراءة