اليهود والعولمة
يصرخ زعماء اليهود لأن تيارات العولمة ستجرف الكثير من ثوابت المعتقدات اليهودية، سواء منها ما ورد في التوراة والتلمود أو ما أصبح جزءا من المكونات الثقافية الرئيسة للعقلية الإسرائيلية واليهودية.. ونقصد بذلك أفكارا مثل الهولوكوست أو المحرقة ومعاداة السامية . فالأولى – المحرقة – مقصود بها ابتزاز العالم وإنعاش ذاكرة اليهود باستمرار بحجم الظلم الذي تعرضوا له، ومن ثم وجب عليهم أن يطالبوا بالتعويضات عن أي شيء ومن أي جهة. أما الثانية فهي عقدة الأقلية التي يريدون لها أن تكون قوة مهيمنة، فأي مساس بيهودي يعني معاداة السامية وكراهية اليهود كعرق أو دين، والمعروف أن أقطاب اليهود تدخلوا منذ القدم لمنع هذا التمييز على أساس عرقي – ليس لجانب إنساني وإنما لمصلحة مباشرة لهم . وقد اتضح ذلك في منظماتهم العديدة مثل الماسونية والجمعيات مجهولة الجذور والأصول والتي تنادي بالإخاء والمساواة والمحبة وإعطاء الأقليات فرص الأغلبيات نفسها.
ويرفع الكثير من زعماء اليهود اليوم مشعل التحذير من أن العولمة وبكل ما تحمله من تواصل بين الشباب وشراكات اقتصادية ستسهم في إذابة عديد من الخزعبلات التي يروج لها اليهود على أنها مقومات وثوابت. فقد أثبتت إحصائيات عديدة أن كثيرا من الشباب اليهودي أصبح يرفض مظلة الانتماء للدين اليهودي، وأصبح يرفض الاندراج المستمر تحت ضغوط فكرة الاضطهاد القديم، وبعضهم يمارس اليهودية كطقوس دينية، ولكن الأغلبية العظمى منهم تبحث عن هويتها بهدف الاندماج في كيان يكف عن الصراخ وترديد ويلات الماضي.
كثير من اليهود يسافرون إلى بلاد عديدة وقد أصبحوا أكثر انفتاحا ومنهم من يقيم علاقات على الإنترنت تنقلهم إلى ما وراء البحار ويحاولون توثيق علاقاتهم مع غير اليهود. وقد أصدرت إحدى المنظمات اليهودية تقريرا حول حال اليهود في العالم لخصته في أن الجيل الجديد من اليهود حريص على التواصل والمعرفة وهو متفتح للتجارب الجديدة، ولا يأبه لأفكار الانعزالية والخصوصية التي انزرع فيها آباؤه وأجداده. وأرجعت المنظمة ذلك إلى كثافة الحوار عبر الإنترنت مع الأوروبيين. واليهودي في الخارج لا يتكلم العبرية وإنما يتكلم لغة الشعب الذي يقيم معه، فهو يتحدث الإنجليزية والفرنسية والإسبانية والروسية والألمانية والإيطالية.
ومن أبرز أسباب التغيرات التي طرأت على اليهود انهيار الاتحاد السوفياتي وانتشار ثلاثة ملايين في دول مهجر جديدة، وها هم أبناء الجيل الثاني يتعرضون لبيئة عمل ومناخ ثقافي مختلف. فاليهود في شرق أوروبا 150 ألفا فيما عدا الاتحاد السوفياتي السابق، يمارسون حياة لا صلة لها بأيام الانطواء القديمة أو أيام القمع الشيوعية، وبين هذا والجديد الذي نقلوه عن الغرب أصبح هناك يهودي جديد. وقد بلغ الأمر حدا مزعجا لدرجة أن إحدى المنظمات اليهودية في المجر – حيث يعيش 100 ألف يهودي – تحاول تعليم أبناء الجيل الجديد التاريخ اليهودي والدين والثقافة حتى لا يهربوا نهائيا إلى عالم الأغيار ويفقد اليهود خاصية التجمع ليصبح لديهم “قوة الأقلية” وهي السمة التي أكسبتهم الكثير من المكاسب.
كان اليهود في الماضي يخفون هوياتهم، لدرجة أن كثيرا من حكومات أوروبا كانت تفرض عليهم العيش في أحياء محدودة، وبعض الحكام فرض عليهم ملابس وعلامات معينة، بل وبلغ الأمر أن فرض عليهم حلاقة ذقونهم وشعورهم بصورة خاصة، أما اليوم ومع العولمة فلم يعد اليهودي مضطرا لإخفاء هويته، بل هو يجاهر بانتمائه.
ويحاول اليهود دائما ركوب موجة التغيرات، فهم حلفاء الغرب الذي أسقط الاتحاد السوفياتي وشيوعية شرق أوروبا، وهم المصفقون الدائمون لإنجازات غيرهم، وهم المعادون للمسلمين منذ أحداث 11 من أيلول (سبتمبر) عام 2001، فهم تحرروا من الشيوعية، وأثبتوا للغرب أن عداءهم للمسلمين مبرر بدليل ما حدث في الأبراج.
ويواكب اليهود حالة الانطلاق اليهودية بين شبابهم بحالة من النشاط في بناء المعابد والمدارس اليهودية والتجمعات والمؤسسات الصهيونية. ويعقد اليهود آمالا كبارا على المدونات والمنشورات وجماعات الدردشة (وقع ابني مع يهودي على التشات – الدردشة – وكان الحوار كله محاولة من اليهودي للفرار من صورته القبيحة لدى المسلم). وهم في ذلك كله يهدفون إلى عدة أهداف:
** صياغة شخصية اليهودي العالمي الذي يجيد التعامل مع المعطيات الحديثة دون التخلي عن يهوديته.
** الدعاية الفجة لإسرائيل باعتبارها وطنهم ممارسين في ذلك كل ألوان التدليس المستتر.
** الحفاظ على صورة طيبة مع الأوروبيين قوامها أنهم مسالمون ومثقفون وعاشقون لأوطانهم ومحبون لأصحاب الديانات الأخرى.
** مواجهة الجاليات الإسلامية القوية والتي تقوى يوما بعد يوم وتقليص نفوذها الثقافي.