كونور سين: سوق العمل الأمريكية أضعف مما تبدو

رغم ارتباط التوظيف بقوة قطاعات التعليم والصحة والحكومة إلا أنه بدأ في فقدان زخمه

1.4 مليون من 2.2 مليون وظيفة أضيفت في أمريكا العام الماضي كانت في التعليم والصحة والحكومة


ارتبطت مرونة سوق العمل خلال العام الماضي بشكل رئيسي بقوة قطاعات مثل التعليم والرعاية الصحية والحكومة، التي تتأثر بدرجة محدودة بالدورات الاقتصادية. وتناقض الارتفاع المستمر في التوظيف في هذه القطاعات مع التراجع في تلك الأكثر تأثراً بالدورات الاقتصادية، ومن بينها البناء والتصنيع والخدمات المهنية.

لكن ما دام هذا التوازن مستمراً، يمكننا تدبر الأمر دون ارتفاع معدل البطالة، حتى لو ظل بعض أصحاب العمل مكتوفي الأيدي بسبب أسعار الفائدة المرتفعة وفرص اندلاع حرب تجارية.

تكمن المشكلة في أن تلك القطاعات الأقل تعرضاً للدورات الاقتصادية في سوق العمل تتباطأ أيضاً، وما لم نشهد نمواً في غيرها، قد تتراجع فرص التوظيف أمام الباحثين عن عمل في 2025.


دعائم سوق العمل الأمريكية


من بين 2.2 مليون وظيفة أُضيفت في الولايات المتحدة خلال 2024، كانت 1.4 مليون وظيفة في التعليم والرعاية الصحية والحكومة. في العقد الثاني من الألفينيات، حققت هذه القطاعات إسهاماً كبيراً في سوق العمل بنحو 700 ألف وظيفة سنوياً، ما يعادل نصف ما حققته العام الماضي.

تأخر تعافي هذه القطاعات بعد الجائحة، واستغرقت فترة أطول لتعود إلى المستويات الطبيعية، مقارنة بخدمات التغذية أو البناء. ولم تخض المدارس والمستشفيات منافسة شرسة على العاملين، كما فعلت شركات الطيران أو المطاعم في 2021. كما استغرق أرباب العمل الحكوميون مدة أطول في إنفاق التمويلات التي تلقوها باعتبارها إعانات الجائحة، أو بموجب برنامج الدعم الحكومي الذي أقره الرئيس جو بايدن. وفي بعض الحالات، دفع تراجع التوظيف في قطاعات أخرى العاملين إلى قبول رواتب أقل، لكن مع استقرار نسبي للوظائف في التعليم والحكومة.

وتوضح البيانات أن التأقلم مع تبعات الجائحة يقترب من نهايته. فرغم أن عدد فرص العمل في مجالي التعليم والخدمات الصحية في القطاع الخاص لا يزال أعلى من مستويات 2019، إلا أنه انخفض 20.7% على أساس سنوي خلال 2024، بحسب بيانات تقرير فرص العمل وسوق العمل التي صدرت هذا الأسبوع. فالوظائف الشاغرة في الحكومة انخفضت 12.4% مقارنةً بالعام الماضي، وكان هذا قبل تولي إدارة ترمب المنصب، وبدء سعيها لإلغاء كل وظيفة ممكنة تقريباً.


التباطؤ يسود التوظيف


الاتجاه السائد حالياً في قطاعات مثل البناء والتصنيع والخدمات المهنية والتجارية هو خفض التوظيف، وهذا ما نشهده ينتشر أيضاً في التعليم والرعاية الصحية والحكومة فور شغل الوظائف الشاغرة.

بالنسبة إلى الحكومة الفيدرالية وحكومات الولايات، يشير ضغط الموازنة والتغيرات السياسية إلى تباطؤ أكثر وضوحاً خلال 2025. ربما يتجلى هذا التباطؤ المتأخر لسوق العمل في التقرير الفصلي لمؤشر تكلفة التوظيف، حيث تنمو أجور القطاع الخاص بوتيرة أسرع لتعود إلى مستويات ما قبل الجائحة، بينما لا يزال نمو أجور الموظفين الحكوميين في مرحلة مبكرة من عملية التباطؤ.

هناك سيناريو يؤدي فيه مزيج من خفض بنك الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي أسعار الفائدة وانتهاج الإدارة الجديدة سياسات داعمة للأعمال إلى تشجيع انتقال سوق العمل من القطاعات الأقل تأثراً بالدورات الاقتصادية إلى تلك الأشد تأثراً. لكن ذلك ليس الوضع الحالي.


آمال على ترمب و"الفيدرالي"


رغم أن الاحتياطي الفيدرالي خفض أسعار الفائدة 100 نقطة أساس منذ سبتمبر، إلا أن أسعار الفائدة الأطول أجلاً ارتفعت، ويستمر التباطؤ في نشاط إنشاء المباني السكنية وإعادة بيع المنازل. وبينما علق مجتمع الأعمال آماله على تأثير قرارات إدارة ترمب، لم تتضح حتى الآن فرص إقرار الكونجرس إصلاحاً ضريبياً أو تخفيف القواعد التنظيمية. وبدلاً من ذلك، شهدنا رفع الرسوم الجمركية على الواردات الصينية، وتهديداً بفرض تعريفات جمركية على البضائع الواردة من المكسيك وكندا والاتحاد الأوروبي، ما سيؤدي إلى ارتفاع التكاليف على عدد من الشركات.

يشكل الذكاء الاصطناعي المجال المزدهر الوحيد في الاقتصاد، لكن نهمه لأشباه الموصلات ومراكز البيانات والكهرباء لم يُترجم بعد إلى طلب على مزيد من العمالة الإضافية.

الخلاصة أنه فيما نجتاز عام 2025، سنحتاج إلى أن تبدأ القطاعات "منخفضة التوظيف" في تحسين أوضاعها لمنع تفاقم أحوال سوق العمل. وقد يشكل خفض الاحتياطي الفيدرالي أسعار الفائدة أو سياسات واشنطن الداعمة للعاملين السبيل المثلى لتحقيق هذا الهدف، لكن ربما يكون ارتفاع معدل البطالة لازماً لتُعطى الأولوية لهذه الإجراءات مجدداً.


خاص بـ "بلومبرغ"

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي