حتى تكون الجائزة أكثر شفافية!

أعلنت شركة بي إم جي المالية جائزتها للشفافية عن عام 2009، وفازت بالجائزة عشر شركات مساهمة مدرجة في السوق المالية، وأبارك لشركة المراعي فوزها بالمركز الأول، وهي بلا شك تستحق هذا المركز عن جدارة.
ما قامت به ''بي إم جي'' مبادرة محمودة وعمل إيجابي تشكر عليه، ويجب تشجيع أي مجهود يتم في سبيل تحفيز الحوكمة والشفافية والمهنية في سوق المال، وأرى وجوب دعم الجائزة لما فيه مصلحة السوق المالية على الصعيدين المحلي والإقليمي، لكن ''الحلو ما يكمل'' وأولى خطوات الوصول إلى الكمال تكمن في النقد الهادف لتعزيز مصداقية الجائزة لتحقيق الأهداف التي وجدت من أجلها.
لقد حددت الجائزة مجموعة من العناصر يتم التقييم على أساسها، هي:
1. أن يكون لدى الشركة سجل تجاري لسنة كاملة.
2. تملك موقعا على الإنترنت يحتوي على جميع معلومات الشركة اللازمة، منها: استراتيجية الشركة، بيانات مالية مفصلة، إعطاء آخر المستجدات التي تتعلق بفعاليات الشركة بانتظام، معلومات أساسية عن الأشخاص الرئيسيين في الشركة، وغيرها من المعلومات التي تتعلق بالشركة.
3. تعيين شخص مخصص من قبل الشركة يكون مسؤولا عن العلاقات مع المستثمرين (ويمكن لهذا الشخص أن يكون شاغلاً منصباً ضمن المجموعة كمدير مالي على سبيل المثال).
4. توفير النتائج الفصلية.
5. توفير بيانات مالية مفصلة، مع ملاحظات قائمة الحسابات.
6. التفاعل مع الوسطاء والمحللين الماليين، كتشجيع إدارة الشركة لتوفير المعلومات التي من شأنها تسهيل البحث عنها.
7. سهولة تواصل الإدارة العليا مع الوسطاء الماليين ومع شركاء أساسيين.
8. المستوى، والتوقيت، ونوعية المعلومات التي تقدمها الشركة.
وفي رأيي أن معايير التقييم التي اعتمدت عليها الجائزة لا يمكن أن تشكل فارقا كبيراً بين الشركات المتنافسة أو على الأقل معظمها، كما أن النتائج الفصلية والبيانات المالية تعتبر متطلبات نظامية وتنشرها ''تداول'' على موقعها الإلكتروني، ويستثنى من ذلك العنصر الأخير من معايير التقييم, الذي أعتبره المعيار الأكثر حسماً, وبالتالي كان يجب أن يأخذ حيزاً أكبر وتفصيلاً أوسع ضمن معايير التقييم، وفي رأيي أن الالتزام بلائحة الحوكمة الاسترشادية الصادرة عن هيئة سوق المال كان من المفترض أن يكون عنصراً رئيسياً لمعايير التقييم، ولا يمكن إغفال التصاريح والإعلانات الصادرة عن إدارة الشركة التي تعنى بالإفصاح المسبق للمتعاملين والمستثمرين عن الأحداث والمعلومات المؤثرة, التي من المفترض أن تكون معياراً رئيسياً في التقييم، إضافة إلى ذلك فإن إعلان الميزانيات التقديرية المستقبلية للشركة - في رأيي - تعتبر عاملاً مؤثراً في إيجابية تقييم الشركة من حيث الشفافية.
وعلى السياق نفسه, أرى أن إخفاق الشركة في الشفافية مع المتعاملين تجاه أي أحداث ذات علاقة يجب أن يرمي بظلاله السلبية على تقييم هذه الشركات، فوجود أحداث يجب الإفصاح عن تأثر الشركة بها, وعدم قيام الشركات بهذا الدور يجب أن يشكل نقطة سلبية تجاه هذه الشركات (وهذا ما تم إغفاله في الجائزة لعام 2009).
على الجانب الآخر, حيث إن الجائزة وفقاً لنظامها لا تمنع حصول أي شركة على الجائزة لعامين متتاليين أو أكثر، فإنه لذلك لا يمكن لعاقل أن يتصور أن تحصل على الجائزة أفضل شركتين في الشفافية لعام 2008 (وهما جرير وصافولا)، ثم نفاجأ بأن القائمة الجديدة لعام 2009 تخلو منهما تماما ً- في رأيي - أن هذا يشير إلى خلل فادح إما في المعايير وإما في التقييم للجائزة لأي من السنتين أو لكلتيهما، حيث إنه من الطبيعي أن يحصل على الجائزة أفضل الشركات مستوى في السنة الأولى ثم يحصل تبادل مراكز بين الفائزين مع دخول شركات جديدة في السنة الثانية، وإذا وجدت أي مبررات لاستبعاد هذه الشركات فيجب إعلانها صراحة تطبيقاً لمبدأ الشفافية, كما أن إحدى صور الخلل في الجائزة أن تحصل على الجائزة الشركات الراعية لها، فهذا يجعل من تعارض المصالح قادحاً في الجائزة على مستويين سواء على مستوى أحقية الشركة في الحصول على الجائزة (مع عدم اعتراضي على حصول الشركات على الجائزة من الناحية العملية)، أو على مستوى عدالة التقييم من قبل لجنة التقييم بمنح الجائزة لجهة راعية لها! عند استعراض الشركات المساهمة الفائزة بالجائزة لعام 2009 ـ مع كامل احترامي لها، نجد أنها شملت أربعة بنوك تمثل 40 في المائة من الحاصلين على الجائزة، ومن وجهة نظري أنه لا يوجد بنك يستحق الجائزة لعام 2009 بسبب الضبابية التي طغت على تصريحات البنوك في ثلاث مناسبات محورية خلال هذا العام، فقد لزمت البنوك الصمت المطبق على الرغم من مطالبة عديد من الاقتصاديين والإعلاميين والمستثمرين بالإفصاح عن علاقة البنوك بثلاث أزمات مرت، التي بدأت بالأزمة المالية العالمية, حيث لم تفصح عن آثار الأزمة فيها، ثم تم اختبارها في مسألة مجموعتي القصيبي وسعد, حيث لم يعلن أي بنك عن أي علاقة من أي نوع أو البراءة من العلاقة مع هاتين المجموعتين، وأخيراً تم التوسل إلى البنوك لتزويدنا بأي رأي حول تأثير أزمة دبي في بنوكنا المحلية, لكن باستثناء تصريح محافظ مؤسسة النقد فقد اكتفت البنوك بالصمت المطبق كصمت الليل البهيم.
أخيراً .. الجائزة لعام 2009، لذلك من المفترض إعلان نتائجها بعد صدور القوائم المالية لعام 2009, حيث إن الإفصاح في القوائم المالية والتوقيت لإصدار هذا القوائم وتقارير مجالس الإدارات والمعلومات المصاحبة لهذه التقارير والموازنات التقديرية للشركات سيتم نشرها وإعلانها بعد ختام العام وليس قبل ذلك, لكن يبدو أن المنظمين ''استعجلوا العيد''! هذا والله من وراء القصد.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي