دول مجلس التعاون..التحديات الاقتصادية أولاً!
تُشكل دول مجلس التعاون الست، منظومة فريدة من نوعها في التجربة والتطبيق، بيد أن هذا النهج اقتفت خُطاه مجموعات عربية متنوعة لم يُكتب لها الديمومة والاستمرار أو حتى النجاح لأسباب متنوعة من ضمنها التفاوت المادي، الإجتماعي، والسياسي. وقد يكون من الموضوعية أن نشير إلى أن الأهداف العامة والرئيسة لإنشاء هذا التكتل الخليجي الكبير والكيان النابض التعاون الأمني والإقتصادي ليكون لبنة من لبنات البناء العربي الوحدوي، ويُساعد في تهيئة المناخ للتنسيق التام والتعاون المثمر وزيادة التلاحم القائم بين دول المجلس بحيث تتحول إلى أنموذج يُحتذى به خاصة مع وجود التجانس شبه التام بين دول المجلس، تعجيل خطوات الوصول إلى التكامل الخليجي الاقتصادي وتمام ذلك من خلال التنسيق الشامل للسياسات التكاملية بين الأعضاء، تشجيع الاستثمارات من خلال المشاريع الخليجية المُشتركة بين دوله وتعزيز التعاون البناء في مختلف القطاعات الاقتصادية المتنوعة من إنتاجية وخدمية وترفيهية، يضاف إلى ذلك تعزيز العمل العربي المشترك من خلال إيجاد نموذج تكاملي قادر على مواجهة المتغيرات المحلية والدولية والصمود أمامها. وفي محاولات لطرح بعض الخيارات السياسية والاقتصادية وفي محاولة لإعادة تقييم المجلس ودوره الحيوي في التأثير في المجريات الإقليمية والدولية يلزم إعادة هيكلة شاملة للمجلس وترميم تصدعاته، بحيث يتم تفعيله من خلال الوكالات الخاصة بالمجلس لتتناسب مع مستجدات المرحلة الراهنة. ولعل مواجهة مثل هذه الملفات الحساسة تتطلب جهداً كبيراً، إلا أن إعادة الهيكلة يلزم منها تحقيق تغييرات جوهرية تتناسب مع تطلعات مواطني المجلس وقادته. فعلى المستوى السياسي، هناك الكثير من الملفات الساخنة والتي يجب التعامل معها بنوع من الدبلوماسية الهادئة كعادة دول المجلس والحنكة والقرارات الحازمة في الوقت نفسه، حزم في لين القوي متى ما بدت الحاجة ماسة إلى مثل هذه الحلول.
وفي ظل الظروف الحالية الهائجة، فالتصدي لمثل هذه الملفات والخاصة منها بعلاقات دول المجلس ببعضها وتواصلها مع المجتمع الدولي وعلاقاتها بدول الجوار يتطلب درجة عالية من التنسيق والانسجام السياسي والتناغم الاقتصادي مع متغيرات المرحلة الراهنة والمقبلة، وعليه يلزم إعادة تقويم الأمانة العامة للشؤون السياسية وتفعيلها بما يخدم مصالح دول المجلس ووقوفها الحازم مع المملكة ضد الاعتداءات الغاشمة والمتكررة على أراضيها وهذا بطبيعة الحال يتطلب منا النظر وعلاج الجذور الحقيقية للمشكلة. فقد تبنى النظام القائم في طهران الجماعات الإرهابية وأمدها ويمدها بجميع أنواع الدعم المادي والمعنوي والإعلامي إضافة إلى احتلاله للجزر العربية الثلاث وتهديده المباشر وغير المباشر لدول المجلس.
دورنا في هذه المرحلة الحاسمة هو وقف العدوان.. لا بل إسكات مصادره أياً كانت وإستخدام أساليبه نفسها، ولعل إرباك هذا النظام الجائر يجب أن يكون له الأولوية في سلم اهتماماتنا السياسية في المرحلة الحرجة المقبلة. فدول المجلس ولله الحمد ليس لها أطماع في دول أخرى، ولا تستخدم مبدأ القوة في فض منازعاتها الإقليمية وعليه يلزم التموية وبقوة من خلال الرسائل المباشرة وغير المباشرة، بأن من يحاول أو حتى يفكر في محاولة المساس بأمن إحدى دول المجلس فسيلقى ما يناسبه من العقوبة الرادعة من منطلق اننا أقوياء بالله ثم بشعوبنا وبقدرات أبنائنا وبمقدرات أوطاننا. وضمن منطق التأثير الغالب للاقتصاد، قد يكون من الموضوعية الإشارة إلى أهمية منطقتنا الخليجية من الناحية الجيوبوليتيكية، حيث إنها تتميز، وبشكل لافت للنظر، في مجال النفط والطاقة سواء كان من ناحية الإنتاج أو الإحتياط، وفي الشأن ذاته وليس من قبيل المصادفة، يتمركز أكثر من 50 في المائه من الاحتياطي النفطي العالمي المعروف، أي بلغة الأرقام تمتلك دول المجلس من الاحتياطيات النفطية المؤكدة ما مقداره 3,441 مليار برميل، ومن الغاز الطبيعي أكثر من 3,44 تريليون متر مكعب، بحيث تنتج أكثر من 18 في المائه من إنتاج النفط الخام العالمي عام 2007م، وقد شكلت هذه النسبة نحو 40 في المائه من إجمالي صادرات دول مجلس التعاون للعام ذاته، ولهذا وجب على دول المجلس اغتنام هذه الفرصة في تطوير الوزن الجيوبوليتيكي من النواحي الاقتصادية والاجتماعية وبما يعزز مكانتها على الساحات الإقليمية والدولية ويكفل لها المُشاركة الفعّالة في صنع القرارات المصيرية العالمية والتي تهم مجتمعنا الخليجي والإقليمي والدولي. فالطابع الاقتصادي، وخاصةً في السيطرة على سلعة استراتيجية كالنفط، يعد أهم المُعطيات المادية المحركة للدوافع الدولية وكذلك مُنطلق النشاطات إن كانت سياسية أو اجتماعية، وعليه فإن أي قبول على المستوى الدولي لابد أن تسبقه خطوات تكاملية على المستوى الخليجي الكلي والتي توصلنا إلى الاتحاد الكامل وبما يشمله هذا التوجه من خطوات تكاملية فعّالة تعطي الانطباع عن إمكاناتنا وقدراتنا الفائقة في التعامل مع الملفات المحلية والدولية وبكل اقتدار.
وبناء عليه فإن المشاريع الاقتصادية المختلفة من طرق وشبكات كهرباء ومياه وخلافه، مع المشاريع النقدية والمالية لاتتأتى بشكلها الجماعي إلا بوجود عملة خليجية موحدة. ثمة عامل آخر، قدرتنا على التعامل الجاد مع التداعيات التي نتجت عن الأزمة المالية العالمية ومانتج وينتج عنها من آثار مستقبلية تستحق منا التوقف عندها والتعامل معها بكل حرفية ومهنية تنم عن وعي اقتصادي وسلوك ناضج يتمثل في قرارات تخدم البيت الخليجي أولا مع الأخذ في الحسبان الظروف الدولية المحيطة بنا. فوجود أزمة مالية في إحدى دوله مدعاة لتغليب الجانب الاقتصادي على السياسي وسرعة علاج المشكلة مع وجود تقويم علمي سليم يمنع تكرارها مستقبلاً. إلا أن الشيء المهم هنا، الإشارة إلى أهمية الوحدة النقدية الخليجية في التأثير في قرارات المنظمات والمؤسسات المالية الدولية، فطرح عملة موحدة بجانب العملات المحلية الأخرى سيكون الطريق الأسهل والتدريجي لبلوغ العملة الموحدة وخاصة أن العملة الجديدة والعملات المحلية مرتبطة بالدولار كمُثبت وعليه فلا تفاوت لأسعار الصرف.
هذا التوجه سيخدم قضايانا الخليجية بخاصة ومن ثم العربية والنامية بصورة عامة ما يحقق لنا الكثير من المشاركات العملية الدولية والتي تعطينا الخبرات الكافية للمشاركة الفعّالة مستقبلاً على الساحات الاقتصادية والاجتماعية والثقافية. ولا شك أن الدراسة الجادة والمستفيضة للتجارب التكاملية مثل تجربة الاتحاد الأوروبي ووصوله إلى ما وصل إليه بعد أن تجاوز الكثير من العقبات السياسية والاقتصادية مع وجود الاختلافات الثقافية والعرقية جدير بالاهتمام وستُثري ساحة قراراتنا الخليجية بالمزيد من الوعي والتصور خاصةً إذا أدركنا ان هذا سينعكس إيجابا على تجربة مجلس التعاون، مع إيمان أن التكامل الاقتصادي هو قطب الرحى في أي تجمع وحدوي أيا كان.