مكاتب المحاماة الأجنبية (2)

لقد تحدثت في المقال السابق بخلفية عامة عن مكاتب المحاماة الأجنبية، وفي هذا المقال سأتحدث عن بعض التفاصيل المتعلقة بعمل هذه المكاتب في المملكة وتأثير ذلك في السوق السعودية.
كان وجود هذه المكاتب في السابق محدودا من حيث عدد هذه المكاتب وكذلك من حيث نوعية المواضيع القانونية التي تعمل عليها إلى حد كبير. وهذا لأسباب عدة منها أنها كانت تعمل في مجال المشاريع الضخمة في المملكة كمشاريع الغاز والبترول ومسألة التمويل المرتبط بهذه المشاريع، وكذلك بسبب عدم وجود التشريعات التفصيلية المتعلقة بالسوق المالية، ولكن السبب الرئيس في نظري هو عدم انضمام المملكة لمنظمة التجارة العالمية.
وبمجرد انضمام المملكة لمنظمة التجارة العالمية في عام 2005 م ودخول المستثمرين الأجانب بكثرة وخاصة الشركات المتعددة الجنسيات التي دخلت السوق بشكل مباشر وليس من خلال عقود الوكالات التجارية، فبدأت مكاتب المحاماة الأجنبية تدخل إلى السوق السعودية وتمارس أعمالها في مختلف المجالات القانونية وتقدم خدماتها للشركات المتعددة الجنسيات، وهذه الشركات في الأصل مرتبطة بعلاقات المكاتب الأجنبية التي تقدم الخدمات القانونية لها في أنحاء متفرقة من العالم.
ونستطيع أن نقسم أعمال هذه المكاتب في المملكة إلى قسمين رئيسين وذلك بحكم التبعات القانونية لها بشكل عام.
القسم الأول فيما يتعلق بمعظم الأعمال المرتبطة بالاستشارات القانونية في المملكة كدور مكاتب المحاماة في الاكتتابات IPOs وحقوق الأولوية والاستحواذ والاندماج والشركات والخصخصة ومواضيع التشريعات والصناديق الاستثمارية وغيرها، فالمستندات القانونية في هذا المجال تخضع للقانون السعودي، وهذا يرتب إشكاليات عدة في حالة تولي هذه المكاتب الأجنبية بعض هذه المواضيع من دون دعم حقيقي من المكاتب المحلية المتعاونة معها. حيث إن بعض هذه المكاتب تمارس أعمالها من إحدى المدن الخليجية من دون وجود حقيقي لها في المملكة. ولتقديم الاستشارات القانونية في هذا الجانب لا بد في بعض الحالات من معرفة قوانين مختلفة مرتبطة بعدة مجالات، كما هو الحال عند عمل مراجعة قانونية Due Diligence للعقود والمستندات في حالة الاستحواذ مثلاً لكي يطمئن المشتري على أن جميع عقود ومستندات البائع قانونية، وأنه لا توجد ملاحظات جوهرية على ذلك والتي من الممكن أن تؤثر في عملية الاستحواذ برمتها. فليس من الممكن القيام بهذه الأعمال بشكل جيد إلا في حالة أن المحامين القائمين بهذا الأمر لديهم خلفية كافية في القوانين السعودية.
وأكبر الإشكاليات المتعلقة بهذا الموضوع هو هيكلة العقود والمستندات وفقاً للمدرسة الأنجلوسكسونية من ناحية قانونية وليست آليات الهيكلة وطرقها، وهذا يرتب آثارا عديدة في حالة تفسير العقود في المحاكم السعودية، حيث إن بعض المصطلحات القانونية لا يوجد لها مقابل لدينا وكذلك في مرحلة المفاوضات في حالة أن المفاوض في الطرف الآخر لا يوجد لديه خلفية في المدرسة الأنجلوسكسونية، وليس من المفترض أن توجد لديه هذه الخلفية لأن المراد في نهاية المطاف أن تكون هذه العقود مفهومة من قبل الأطراف ذوي العلاقة وأن تكون قابلة للتفسير من قبل المحاكم السعودية في حالة حدوث نزاع بين أطراف العقد.
القسم الثاني فيما يتعلق بتمويل المشاريع وبحكم أن معظم العقود في هذا الجانب تخضع للقانون الإنجليزي، وذلك بحكم رغبة المقرضين في ذلك، وعلى هذا يكون لمكاتب المحاماة الأجنبية الدور الأكبر في هذا المجال، والواقع يؤكد أن هذه العقود يتم صياغتها بشكل مباشر من فروع هذه المكاتب الأجنبية سواء في لندن أو نيويورك أو واشنطن ومن ثم يتم مراجعتها من مكتب محاماة سعودي والذي يكون في الغالب أحد المكاتب المحلية المتعاونة مع المكاتب الأجنبية. وهذه العقود وإن كانت الفترة التي يستغرق إعدادها تتجاوز سنتين فبحكم خضوعها للقانون الإنجليزي، فهذه المكاتب تستفيد بشكل كبير من قاعدة البيانات الضخمة التي لديها في هذا المجال، وتكون الإشكاليات القانونية في مسائل محددة وليست بسيطة بحكم تأثيرها في هيكلة هذه العقود كموضوع تنفيذ الأحكام في حالة صدور أحكام من القضاء الإنجليزي وهل المحاكم السعودية ستنظر في قضايا متعلقة بهذه العقود بحكم أنها نفذت في المملكة، وهذه ملاقاة على عاتق المكتب المحلي بشكل رئيس، وجرت العادة أن يتم طلب رأي قانوني من المكتب المحلي في هذه المواضيع.
ولكن هذه الإشكالية الأخيرة ليست نتاج وجود مكاتب المحاماة الأجنبية في المملكة، وإنما هي من تأثيرات التجارة الدولية، وإنما تم طرحها هنا لأهميتها وكذلك لكي يتم الاهتمام بهذه المشاريع من الناحية القانونية وتطوير الخبرة المحلية في هذا الجانب.
وللتأكيد فإن هذه المكاتب تقدم خدمات كبيرة في السوق السعودية من ضمنها أنها أدخلت في السوق المحلية آليات عمل معظم الاستشارات المذكورة أعلاه. وكذلك يوجد لديها الخبرات المتخصصة في مسائل دقيقة، وبعض هذه المكاتب تعي أن الخبرة المحلية مطلوبة لذلك تقوم بالاستعانة بعدد من المحامين من المواطنين أو غيرهم من ممارسي العمل القانوني في المملكة لإنجاز أعمالها. إضافة بلا شك للمكاتب الوطنية المتعاونة مع المكاتب الأجنبية والذي يقوم البعض منها في الحقيقة بقيادة عمل المكاتب الأجنبية في المملكة، ومن وجهة نظري أن هذا الأمر بالذات سيطور البيئة القانونية في المملكة بشكل أكبر.
وللحديث بقية.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي