مراكز البحث العلمي والمصرفية الإسلامية
العلم هو وقود التقدم، فبالعلم تقوم الأمم وبالعلم تَبني الأمم والشعوب أمجادها، وبالعلم يكون التقدم الاقتصادي، فالعلم هو أساس الحضارات والعلماء هم صناع الحضارات، فعندما يجتمع العلماء بعلومهم المختلفة عندها تنطلق إشارة البدء معلنة تاريخاً جديداً لهذه الأمة بعلمائها الباحثين الذين ينيرون لها الدرب ويساعدونها في لحاق الركب والتطور ومسابقة الأمم والشعوب نحو الإبداع والتميز، من هنا يظهر جلياً أهمية مراكز البحث العلمي التي تهيئ للعلماء بيئة علمية يجتمعون فيها تمكنهم من عمل البحوث والدراسات المتخصصة وتقودهم إلى مفاتيح العلم وعلاج المشكلات. والمصرفية الإسلامية من أجل تطويرها تحتاج إلى مثل هذه المراكز البحثية حيث يجتمع فيها الباحثون من مختلف التخصصات ذوو العلاقة بالمصرفية الإسلامية ليدرسوا واقعها ويعالجوا مشكلاتها ويطوروا منتجاتها ويرسموا مستقبلها باقتدار. ولا تقف هذه المراكز عند دور الأبحاث والدراسات بل يجب أن تتعدى ذلك إلى أدوار متعددة من مثل إنشاء قواعد للمعلومات تجمع فيها جميع الأبحاث والدراسات والعقود والاتفاقيات وترصد التجارب السابقة واللاحقة والتي تتعلق بالصناعة المصرفية بشكل عام والمصرفية الإسلامية بشكل خاص، كما يوجد لديها مكتبة متخصصة من الكتب والمراجع والدوريات والمجلات المحكمة تساعد الباحثين والمهتمين في أبحاثهم ودراساتهم المصرفية لتكون هذه المراكز البحثية مراكز إشعاع ونور في سماء المصرفية الإسلامية، كما يمكن أن يكون من مهامها إقامة الندوات والمؤتمرات المتخصصة بحيث يدعى لها أهل الاختصاص والشأن لطرح الأبحاث وتبادل الآراء ومناقشة العقبات وعلاجها ومحاولة تطوير منتجاتها والارتقاء بها.
إن إلقاء نظرة على موازنات البحث العلمي في العالم العربي ومقارنتها بالعالم المتقدم يبين مقدار الفجوة التي يعيشها عالمنا العربي في مجال البحث العلمي، ففي إحصائية لليونسكو حول الإنفاق على البحث العلمي من الدخل القومي لكل دولة نجد مثلاً أن إسرائيل تنفق 5 في المائة من دخلها القومي على البحث العلمي ولذلك تتفوق على جميع دول العالم، أما السويد فتنفق 4.6 في المائة من دخلها على البحث العلمي، واليابان تنفق 3.1 في المائة تليها كوريا الجنوبية 3 في المائة, أما أمريكا فتنفق 2.8 في المائة من دخلها القومي على البحث العلمي، وروسيا تنفق 1.2 في المائة والصين تنفق 1.1 في المائة والهند تصرف 0.8 في المائة. أما الدول العربية فتنفق مجتمعة معدل 0.3 في المائة علماً أن المتوسط العالمي للإنفاق على البحث العلمي هو 2 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي، وهذا بدوره لا يدعونا إلى التشاؤم والإحباط بل إلى التفاؤل وعدم اليأس ومزيد من العمل والمثابرة والجد والاجتهاد. إن المراكز البحثية من أجل القيام بأدوارها تحتاج إلى الدعم والمساندة بصوره المختلفة وأشكاله المتعددة من مختلف أصحاب الصلاحية والقدرة وخاصة أصحاب الدعم المادي حتى تؤتي أكلها، من مثل إنشاء كراسي البحث العلمي وإيجاد أنواع مختلفة من الأوقاف، فهذه الجهود والأنواع المختلفة من الدعم جميعها تصب في دعم مستقبل المصرفية الإسلامية ومعالجة مشكلاتها وتطوير منتجاتها لتصبح صناعة المصرفية الإسلامية صناعة عالمية باحتراف قادرة على قيادة العمل المصرفي في جميع أنحاء العالم.