من يَحِل مَحِل الدولار؟! (1 من 2)

قد يكون من الموضوعية استهلال الإجابة على هذا السؤال القديم الجديد بإعادة التأكيد على أن لا عملة غير الخضراء ستبقى على الساحة الدولية الى أجل غير مسمى، كما أن فهم وضعية الدولار مرتبط بشكل مباشر بالوضع الاقتصادي الأمريكي بخاصة، والنظام الاقتصادي الدولي بعامة، خاصةً فيما يتعلق بالاقتصاد الكُلي وما ينبثق عنه من سياسات مالية ونقدية. ولا شك أن الرؤى تختلف في معالجة الأزمات الدولية وأسعار الصرف والتضخم الداخلي والخارجي وتوازن موازين المدفوعات، وكلها تفرض نوعا من التجاذب والتقارب في الكثير من السياسات الاقتصادية، وما ينتج عنها من حلول وآثار محتملة على الاقتصادين المحلي والعالمي.
الدولار!!..ففي رحلته التاريخية، ووصوله إلى ما وصل إليه انعكاس لهمة أمة تسعى إلى السيطرة والريادة. قبل الحرب العالمية الأولى كانت الغلبة لقاعدة الذهب، فمن خلالها تُحَدِد كل دولة قيمة عملتها بوزن معلوم من الذهب، وهو مايُعرف بسعر الصرف الثابت، لأن كل عملة من العملات الدولية مرتبطة بوزن معين من الذهب، وبالتالي يسهل حساب سعر صرف عملة ما إلى بقية العملات. كل ذلك من شأنه إعادة التوازن في العلاقات الاقتصادية الدولية من خلال دخول وخروج الذهب، واصبحت السياسات المحلية لكل دولة مرتبطة بالسياسات الخارجية ومتأثرة بها. ما بين الحربين العالميتين تم هجر قاعدة الذهب والأخذ بسعر الصرف الثابت ما أدى إلى ضعف في التجارة الدولية بسبب سياسات عدة من ضمنها السياسات الحمائية والرقابة على الصرف. اتفاقية - بريتون وودز - عام 1943 شجعت الجمود في أسعار الصرف لأن كل دولة توجه سياساتها الداخلية من أسعار ودخول بما يخدم مصالحها بغض النظر عن التوازن الخارجي ما جعل السياسات الداخلية للدول تواجه تضارباً حاداً مع السياسات الخارجية ما وضع اتفاقية ـ بريتون وودز ـ تحت ضغوط لم تعرفها قاعدة الذهب من قبل ما تسبب في شُح السيولة الدولية، وعليه فقد شجع هذا الوضع على ظهور وسائل دفع جديدة بحيث تتمكن كل دولة من تأمين حاجتها من النقد الدولي بالرغم من أن اتفاقية - بريتون وودز ـ أكدت وسيلة دفع واحدة وهي الذهب، فالذهب غير كاف لتغطية المعاملات التجارية الدولية، لذا ظهرت الحاجة إلى عملة دولية تستخدم بجانب الذهب يُحتفظ بها كاحتياطيات. فلا مناص في هذه الحالة من إصدار عملة نقدية دولية أو استخدام إحدى عملات الدول القوية لتكون وسيلة فعّالة لتسوية المدفوعات الدولية، بعد أن عجزت السلطات النقدية الأوروبية في مواجهة القوى المؤثرة التي تدفع أسعار الصرف إلى التدهور مثل عجوزات موازين المدفوعات وحركة رؤوس الأموال باتجاه الولايات المتحدة. بعد خروج الدول من الحرب العالمية الثانية محطمة اقتصاديا كانت الولايات المتحدة في أوج ازدهارها وقوتها الاقتصادية، حيث زاد إنتاجها من السلع المدنية وانهالت الطلبات من كل حدب على البضائع الأمريكية لتعمير ما خلفته الحرب ما زاد الطلب على الدولار وأخذ مكانته الكبيرة في السوق العالمية ولا يزال، حيث رحبت الدول بهذه العملة كوسيلة للحصول على ما تحتاج إليه من البضائع من الدول التي ترغب في الدولار، وبذلك دخل الدولار بجانب الذهب كعملة دولية لتسوية المعاملات التجارية. مشكلة الدولار هو أنه عملة وطنية ودولية في الوقت ذاته، فالولايات المتحدة مُصدرة للدولار وتحقق مكاسب من الفرق مابين تكلفة الإصدار والقيمة الاسمية للدولار وهذه التكلفة تقترب من الصفر، بينما يلزم الدول الأخرى التضحية بزيادة إنتاجها أو بأصول من أجل حصولها على دولارات تحتفظ بها كاحتياطيات وهي في الواقع استثمارات وملكية للولايات المتحدة وقد تكون على شكل أصول وملكيات طويلة الأجل، فكلما زادت الولايات المتحدة من إصدار الدولار زادت مديونيتها، لأن من يحتفظ بالدولارات كاحتياطيات سيقوم باستثمارها في الولايات المتحدة على شكل استثمارات قصيرة الأجل. بيد أن هذا الوضع خلق ويخلق نوعاً من الإرباك للنظام النقدي والمالي العالمي ماجعله يفقد الثقة خاصةً وقت الأزمات المالية والاقتصادية. من المهم النظر إلى أن نحو ثلثي احتياطيات النقد الأجنبي في العالم و 80 في المائه من مبادلات سعر الصرف الأجنبي إضافة إلى أكثر من 50 في المائه من الصادرات العالمية تُدفع بالدولار، حيث يُقدر حجم التداولات الدولارية بنحو ثلاثة تريليونات على المستوى العالمي، بالإضافة إلى احتفاظ الدول به كاحتياطي لتسوية المعاملات التجارية ولمواجهة العجز في موازين المدفوعات. هذا هو وضع الدولار في الوقت الحاضر والمكانة التي تبوأها، فهل تجرؤ أي دولة من الدول على تغيير أو استبدال هذه العملة العالمية؟ وما تأثير ذلك في اقتصاد هذه الدولة والاقتصاد الأمريكي بخاصة والعالمي بعامة؟ هذا ما نناقشه الأسبوع المقبل بحول الله.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي