مؤامرات الفتن

نظرية المؤامرة حولها جدل كبير، والانشغال في إثباتها أو نفيها هو أشبه ما يكون في مثل ظروفنا هذه بالجدل العقيم كأيهما أسبق البيضة أم الدجاجة، أو ماهية جنس الملائكة ذكور هم أم إناث، وبدلا من أن ننشغل في هكذا جدال لا نتيجة منه لإثبات أو نفي وجود مؤامرة، علينا التركيز بوعي لمواجهة ما يحاك لنا فعلا من مؤامرات لبث الفتن الدينية والمذهبية والعرقية بين مكونات الأمة، التي هي تنفيذ لمخطط صهيوني متحالف مع أصولية مسيحية غربية شديدة التعصب لتفتيت وشرذمة دول المنطقة العربية لدويلات دينية أو مذهبية أو عرقية تتصارع فيما بينها وتتقاتل، لتنشغل الأمة بنفسها عن أعدائها الحقيقيين، تماما كما حدث حين أسقطت الخلافة الإسلامية في الأندلس بسبب تشرذم المسلمين فيما عرف بدويلات الطوائف، وخروج الإسلام منه بعد أن أقام دولة وحضارة عظيمة هناك.
نظرية المؤامرة في هذا الجانب تحديدا ليست توهما وتخيلا، فالواقع الجاري يؤكد حقيقة وجودها، فبعد شرذمة العراق بعد الغزو والاحتلال الأمريكي له لدويلة كردية في الشمال، وكيان شيعي في الجنوب، ووسط ذي طابع سني مهمش سياسيا تقريبا، يحكم علاقاتها الشك والعداء والتنافر، وتغذية صراع سني - شيعي واسع في عالمنا العربي حيثما توجد أقلية شيعية، وأبرز حقيقة له تمرد الحوثيين في اليمن، يعمل الآن على إثارة فتنة دينية إسلامية - مسيحية في مصر من خلال دفع فئة قبطية متطرفة تتركز قيادتها في الخارج وتحديدا في الولايات المتحدة، لاستثارة الأقباط في مصر لاستخدامهم بحجج الحقوق وغيرها، لشرخ وحدة الشعب المصري الوطنية، والقضاء على روح التسامح والإخاء اللذين ميزا علاقة المسلمين والأقباط في مصر على مدى التاريخ، وهو توجه يندرج ضمن ذات المخطط التآمري الصهيوني - المسيحي الغربي الأصولي المتحالف بهدف تفتيت وحدة البلدان العربية، وخصوصا تلك المحيطة بكيان العدو الصهيوني من خلال بذر الشقاق والعداء والتنافر بين مكوناتها الدينية والمذهبية والعرقية.
ما يجري في مصر اليوم من جدل ساخن استثارته تلك الفئة القبطية المرتبطة بأقباط الخارج بغرض بث الفتنة بين المسلمين والأقباط، حري به أن تدرك أبعاده وتفهم مقاصده من الأقباط قبل المسلمين، وهذه الفتنة أطلت برأسها من خلال نشر جهات مسيحية مصرية منشورا تنصيريا بعنوان «مستعدون للمجادلة» لمؤلف غير معروف اسمه الدكتور سمير مرقص، الذي حاول أن يبث التشكيك في أن القرآن الكريم يؤكد الادعاء المسيحي بألوهية نبي الله عيسى عليه السلام، ويسعى لهدم العقيدة الإسلامية في أساسها وهو التوحيد، وذلك بهدف استثارة ردود فعل إسلامية عنيفة تؤدي لصدام واقتتال إسلامي - مسيحي من ناحية، ولإثارة تعصب ديني لدى الأقباط لاكتمال شرر الفتنة من ناحية أخرى، إلا أن الأمور ولله الحمد لم تجر كما خطط لها، فرد الفعل الإسلامي جاء علميا وفكريا ومجادلة بالتي هي أحسن من خلال تكليف مجمع البحوث الإسلامية بالأزهر الشريف عالما جليلا ومفكرا إسلاميا قديرا مثل الأستاذ الدكتور محمد عمارة للرد العلمي بمنهجية وموضوعية على ما جاء في ذلك المنشور التنصيري وتفنيد ما تضمنه من تقول وأكاذيب ولي للحقائق والنصوص، فجاء تقريره العلمي دامغاً وقوياً مستندا فيه إلى حقائق وأدلة استخلصها من عقائد وكتب مسيحية قبل الإسلامية، مفندا كل ما جاء فيه بالأدلة والبرهنة العقلية والعلمية الرصينة، ولا يضير هذا التقرير العلمي الذي تصدى به الدكتور عمارة للمنشور التنصيري تراجع مجمع البحوث الإسلامية عن موقفه بسحب كتاب الدكتور عمارة من السوق، حيث إنه نشر ووزع وبات مطلعا عليه، وبالرغم من أن قرار السحب رمزي، فإنه يسجل على المجمع وليس له، فتبني تقرير الدكتور عمارة لا يتعارض مع دعوة الوحدة الوطنية، بل يدعمها حين يوضح حقائق الأمور في مواجهة منشور هدف أساسا لضرب هذه الوحدة الوطنية.
ما حدث ويحدث للعراق من تمزيق لوحدته ولحمته الوطنية طائفيا وعرقيا، وما يسعى له الحوثيون الذين زاد ارتباطهم بإيران مذهبيا من جهة، وتوقيت تحرك ما يعرف بـ «الحراك الجنوبي» من جهة أخرى في اليمن، وما تتعرض له مصر من محاولات لإثارة فتنة إسلامية - مسيحية، بل كما بتنا نسمع أخيرا عن محاولات لتكريه المصريين في إخوانهم العرب، لهي شواهد عملية وفعلية تدل على وجود هذه المؤامرة لاستثارة الفتن الدينية والعرقية في دولنا العربية، وهي وكما ذكرت وأؤكد عليه وأصر مؤامرة صهيونية - مسيحية غربية، ومن المؤسف أن هذه المؤامرة الصهيونية وجدت في مرجعيات شيعية ذات نزعة فارسية سندا ومكملا لمخططها التآمري لتفتيت وحدة وسلامة وأمن بلداننا العربية من خلال توظيف أقليات شيعية عربية للتمرد على بلدانها والخروج على مجتمعاتها، وهنا علينا كنخب سياسية وفكرية وإعلامية وحتى دينية التصدي لها بالعقل والفكر والتوعية، وتبيان أن من يسعى لإثارة مثل هذه الفتن ويشجع عليها ويتبناها من هنا أو هناك، هو مشارك في هذه المؤامرة وشريك فيها ضد مجتمعه وبلده، وتوعية كافة المكونات الدينية والمذهبية والعرقية وخاصة الأقليات منها، بأن تمسكهم بالانتماء الوطني هو أكبر ضمانة لهم وللأكثرية لسلامة بلدانهم من الدخول في صراعات وفتن لن تستفيد منها إلا قوى خارجية ذات أطماع ومصالح على حساب أمنهم واستقرارهم وتعايشهم السلمي الآمن.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي