الحوادث المرورية والفجوة الحضارية
لقد أنعم الله سبحانه وتعالى على البشرية وخصوصاً أمم القرن الـ 20 والقرن الحالي بنعمة اختراع السيارة وتطورها، وأيضاً تطور وانتشار الطرق داخل المدن وخارجها بكل ما صرف عليها من مبالغ لجعلها طرقا جميلة ومريحة وآمنة، استخدم فيها كل وسائل السلامة من نوعية مواد الإنشاء إلى اللوحات التحذيرية، إلا أن المشكلة الحقيقية التي جعلت هذه النعمة الإلهية نقمة على مجتمعنا هذا السلوك المشين لمستخدمي السيارة والطريق.
إن المراقب لنوعية وموديلات السيارات ومستوى الطرق يستغرب هذه الأعداد المخيفة من حوادث السيارات التي تجاوزت كل التوقعات ونافست أعنف الحروب، وبالنظر إلى الإحصائية السنوية عام 1429هـ التي تصدرها الإدارة العامة للمرور يصعق الإنسان منا من عدد الحوادث الذي تجاوز 220 ألف حادث منها أكثر من 174 ألف حادث داخل المدن، كانت حصيلتها أكثر من أربعة آلاف قتيل وأكثر من 28 ألف مصاب، هؤلاء القتلى والمصابون والسيارات التالفة والأملاك المدمرة تكلف المجتمع الكثير من التكاليف الاجتماعية والاقتصادية، فكم عدد الأطفال الذين يتموُا والنساء اللاتي ترملن والأمهات الثكلى، والآباء الذين قتل أو أصيب أبناؤهم، وهم ثروتهم الحقيقية، وكم من بيت هدم وكان ينظر لعائله نظرة الأمل والمستقبل المشرق، وكيف تحول ذلك إلى خراب ودمار وضياع لمستقبل عائلات كانت تحلم قبل ثوان من وفاة عائلها بسبب تصرف طائش من إنسان غير مسؤول أعطى كل متطلبات التنمية والتحضر وحرم من نعمة العقل المقدر لهذه النعمة.
زيارة واحدة لأحد المستشفيات الكبيرة في أي من مدننا نجد العدد غير المحدود وغير المعقول من تلك الأجسام الغضة والشابة مرمية على أسرة بيضاء عبارة عن قطع من اللحم لا حركة فيها ولا رجاء فقدت طعم الحياة وأمله، كما فقدت نعمة الله سبحانه عليها بعمارة الأرض والتفكر فيها.
الخلل ليس في المركبة ولا الطريق غالباً ولا في الأنظمة وهي كثر، ولكن الخلل الحقيقي ينبع من تربية وثقافة المجتمع وتقديره لهذه الآلة التي يركبها، ومعرفته الحقيقية لكيفية استعمالها والتعامل معها، وأنها ليست حمارا أو بغلة أو حصانا يركبه الراكب فيعرف هذا الحيوان بالفطرة طريقه فلا يسرع دون سبب ولا يقع في الحفرة التي أمامه أو يصطدم بالحيوان المقابل له.
الفجوة بين معطيات التنمية وصناعتها وبين الإنسان المستخدم لها، فجوة كبيرة، وتزيد للأسف الشديد في الاتساع، فبنظرة بسيطة متأنية لكيفية قيادتنا للمركبة واحترامنا لحقوق الطريق واحترام حق المشاة والإشارات ومواقف السيارات يجد المرء نفسه في معركة لا يعرف فيها من خصمه ولا متى يمكن أن تصيبه الطلقة القاتلة.
سرعة جنونية وتجاوز أكثر جنونا من كل الاتجاهات ومخالفة صريحة مباشرة لإشارات المرور ووقوف في أي مكان وبأي طريقة.
إن الفجوة مخيفة والعلاج عسير ما لم يتم وبشكل عاجل وضع رؤية شاملة تعتمد على دراسة متأنية لسبب الخلل الحقيقي ووضع العلاج الحاسم الجازم الذي لا يراعي صاحب الواسطة وابن العم، يكون هدفه نشر الوعي الحضاري والتأكيد على أن الإنسان المتحضر الصالح هو من يحترم معطيات التنمية ويقدرها ويرعاها ويحافظ عليها ويكون قدوة لغيره، وليس الإنسان الصالح هو من يخالف الأنظمة ويتظاهر بأن العظمة والقدرة والمكانة الاجتماعية هي من خلال مخالفته الأنظمة وعدم احترامها واحترام حقوق الآخرين.
لابد أن نبرز لمجتمعنا أهمية القدوة الصالحة وتفعيل ذلك من خلال كل الوسائل المتاحة.
عندما ننجح في ذلك فإنني أؤكد لكم أننا لن نحتاج إلى هذا الكم الهائل من الأنظمة غير المطبقة، ولا نحتاج إلى وجود رجل أمن مع كل مركبة، وإنما يصبح كل واحد منا هو الرقيب على نفسه والمُصلح لها والمحترم لحقوقها وحقوق الآخرين.
وقفة تأمـل:
إذا كنت لا تدري ولم تك بالذي
يسائل من يدري فكيف إذن تدري
جهلت ولم تعلم بأنك جاهــل
فمن لي بأن تدري بأنك لا تدري
ومن أعجب الأشياء أنك جاهل
وأنك لا تدري بأنك لا تــدري