المواطن وهاجس السكن
تقول العرب ''ليست النائحة الثكلى كالمستأجرة''.. لم يكن يدور بخاطري وأنا أتذكر هذا المثل العربي مسألة السكن على الأقل على المدى القريب لا سيما ونحن ما زلنا نترنح من باقعة الأسهم، حتى فوجئت بصندوق التنمية العقارية يصدمني بإعلان اسمي ضمن إحدى قوائمه المعلنة في الصحف باستحقاقي للقرض العقاري! ولم أستفق من هول الصدمة إلا وأنا في مكاتب العقار، وفي مخططات شمال الرياض كأنني موكلٌ بفضاء الله أذرعه! لعلني أجد أرضاً لمسكن العمر كما يقولون!
وكنوعٍ من الحصافة والذكاء العقاري اشترطت أن تتوافر في هذه الأرض كل العيوب الممكنة، غرفة كهرباء! واجهة غربية! شارع ضيق! ـ إن شاء الله ـ حتى (زقاق)! لعل صاحبها قد زهد فيها فيقل ثمنها، لكن ما زلزلني أن أقل أرض يمكن شراؤها ستكلفني قرابة صف مليون، أو بلغة أخرى قرض من أحد البنوك بواقع ثمانية آلاف شهرياً لمدة خمس سنوات! ويا قلب لا تحزن!
ولذلك لا تعجبوا يا سادة من الأرقام الفلكية لثروات هؤلاء العقاريين في فترات وجيزة، والذي أعجز كل النظريات الاقتصادية والمحاسبية والرياضية عن فهمه أو تفسيره! ولذلك رأينا تدفق الأموال لشراء الأراضي البيضاء إذ لا يحتاج الأمر إلى دراسة جدوى في ظل ثقافة الاحتكار والأثرة التي يتمتع بها تجار العقار، وفي ظل النظرية المتداولة بينهم وهي أن ''الأرض لا تأكل ولا تشرب''، ولذلك نرى كيف تقفز أرصدة هؤلاء بمتتالية هندسية في الوقت الذي تهبط فيه أحوالنا المالية والادخارية بمتتالية هندسية هي الأخرى!
''الأرض لا تأكل ولا تشرب'' بل والله إنها لتأكل وتشرب من أموالنا وأقوات أطفالنا ومستقبلنا ومستقبلهم والذي جعل خيار الاقتراض من البنوك المحلية ضربة لازب، مما أسهم في تآكل الطبقة الوسطى وتلاشيها مما ينذر بتداعيات اجتماعية خطيرة على المديين المتوسط والبعيد!
هذا على مستوى الأفراد والمجتمع، أما على مستوى التنمية فإن هذه الأموال ستستمر في التدفق نحو هذا القطاع ـ مما سيولد ركوداً اقتصاداً في قطاع التجارة والإنتاج والتصنيع وازدياد البطالة بين فئة الشباب الذين لن يجدوا فرص عمل فيما يسمى بالقطاع الخاص.
إن توفير السكن مؤشر استقرار، وإن رفع نسبة تملك السكن هدف استراتيجي لجميع الدول المتقدمة، حيث تتجاوز نسبة 80 في المائة في بعض الدول (أمريكا – الإمارات – الكويت ) في الوقت الذي تشير فيه الإحصاءات إلى أن نسبة ما بين 22 و25 في المائة فقط من المواطنين السعوديين هم الذين يمتلكون منازل خاصة.
وفي تقديري من الحلول لهذه المعضلة باختصار:
- حل مشكلة غلاء الأراضي التي تضاعفت بنسب تصل إلى 1000 في المائة نتيجة الاحتكار الذي ساد بين متوسطي وكبار التجار الذين وجدوا في الأراضي البيضاء ملاذا آمنا للهروب من دفع الزكاة المستحقة، وهروبا من تبعات الاستثمار في القطاعات الإنتاجية، وإن القضاء على هذا الاحتكار يسير جدا ويكون في:
1- قرار فوري بجباية الزكاة الشرعية على جميع الأراضي، ويخصص للزكاة التي تجبى من هذا الصنف صندوق مستقل وتصرف في مجال (توفير إسكان للمستحقين).
2- رسوم خدمات سنوية على الأراضي البيضاء تحسب بتكلفة المتر المربع، وينشأ صندوق مخصص لتوفير جميع الخدمات لأحياء المنح وتعطى الأولوية للأحياء التي ترتفع نسبة ملكيتها للمواطنين، ويمول الصندوق بقرض من الدولة يكفي لإيصال الخدمات فورا للأحياء المستحقة، ويرد القرض إلى خزانة الدولة بعد تحصيل الرسوم السنوية.
وقد استبشرنا رمضان الماضي بتصريح مدير عام مصلحة الزكاة والدخل إبراهيم المفلح في نادي ''الاقتصادية'' الصحفي من أن هيئة الخبراء في مجلس الوزراء تدرس حاليا جباية زكاة العقار، خاصة المساهمات العقارية والمخططات.
فهل نجد تحركا فعليا من المسؤولين لإيجاد حلول لهذه المعضلة ؟ نتمنى ذلك.