اليونان لن تكون العُريان الوحيد حين يتراجع المد

سبق لوارين بوفيت، قبل سنوات قليلة، أن أبدى ملاحظة شهيرة قال فيها إنه حين ينتهي المد، فإنك تتمكن من رؤية من يسبح عارياً.
ويا له من قول مأثور مقنع في أيامنا هذه. خلال الأشهر الماضية كانت هناك تخمينات لا تنتهي حول ما يمكن أن يحدث، أو متى تبدأ البنوك المركزية بتطبيق «استراتيجيات الخروج».
الآن لدينا عدد قليل من الدلائل. أعلن بنك إنجلترا أنه جمّد برامج التخفيف الكمي الخاصة به، وأطلق بذلك نقاشاً حول مستقبل الذهب. لكن في تقديري، واحدة من أكثر القصص دلالة بخصوص نقاش استراتيجية الخروج في الوقت الراهن هي الدراما التي تطورت في الفترة الأخيرة حول عالم الديون اليونانية.
بالنسبة إلى معظم المراقبين العرضيين، ربما يبدو أن السبب الرئيسي في هبوط أسعار السندات اليونانية هو أن المستثمرين استفاقوا بصورة مفاجئة ومتأخرة على الوضع الخطير الذي بلغته مشاكل اليونان المالية.
غير أن ذلك يخبرنا فقط بجزء من القصة: هناك عامل آخر كان كذلك يؤذي أسعار السندات اليونانية، تمثل في نقاش حاذق، وإن كان غريباً في طبيعته، يدور بهدوء في الوقت الراهن في البنك المركزي الأوروبي حول سياسته الخاصة بالضمانات الإضافية واستراتيجيات الخروج.
في آب (أغسطس) 2008، بعد انهيار ليمان براذرز، خفف البنك المركزي الأوروبي القواعد التي تحكم كيفية حصول البنوك على أموال من البنك المركزي. وسمح للبنوك، على وجه الخصوص، باستخدام السندات الحكومية المصنفة BBB، أو أعلى من ذلك، في عمليات أسواق أموال البنك المركزي الأوروبي، بدلاً من قبول سندات مصنفة A، أو أعلى من ذلك.
تم تقديم ذلك في البداية على أنه سياسة «مؤقتة»، بحيث تدوم حتى نهاية عام 2009. غير أن البنك المركزي الأوروبي مدد هذه السياسة في العام الماضي حتى نهاية عام 2010. وهكذا كانت البنوك التي بحوزتها سندات يونانية في 2009 تبادلها، بارتياح، بموجودات أخرى من خلال البنك المركزي الأوروبي، الذي ساعد بدوره أسعار السندات اليونانية (وبالتالي البنوك اليونانية التي لديها كميات كبيرة من السندات اليونانية المستحقة).
حتى وقت قريب، اعتقد كثير من المراقبين، أو كانوا يأملون، أن يتم تمديد هذه السياسة مرة أخرى، ربما إلى عام 2011، أو ما بعد ذلك. لأنه على الرغم من أن الديون اليونانية لديها في الوقت الراهن التصنيف الذي يلبي القواعد القديمة للبنك المركزي الأوروبي، إلا أن هناك فرصة قوية لأن يتم تخفيض تصنيف تلك الديون في العام الحالي، وهو ما يوجد مخاطر بأن يتم استثناء السندات اليونانية من أي نظام جديد متشدد للبنك المركزي الأوروبي.
مع ذلك، كبار مسؤولي البنك المركزي الأوروبي أشاروا هذا العام إلى نيتهم «تطبيع» السياسة، كما هو مخطط، في نهاية عام 2010، وذلك ضمن صفقات السياسات الحالية. وبالتالي، يبدو أن مصدراً محتملاً لدعم ديون اليونان معرض للخطر في الوقت الراهن. وهذا الأمر أخاف المستثمرين، مثل شركات التأمين الألمانية التي تحتفظ بمقادير كبيرة من السندات اليونانية. لن أقول الآن إن نقاش استراتيجية الخروج هذا هو السبب الوحيد لهزة السندات اليونانية. هناك أيضا أسباب واضحة للقلق على مستوى الاقتصاد الكلي. وأكثر من ذلك أن دوّامات الأسواق ضخمها بصورة مؤكدة ذلك الحجم الهائل من أموال المضاربة الخاصة بصناديق التحوط التي تتحرك الآن بصورة سريعة.
سيكون من المدهش خلال الأسابيع المقبلة، ما يحدث (وما لا يحدث) لصناديق التحوط هذه في ظل انقسام ساحر يتطور عبر طرفي الأطلسي فيما يتعلق بالعالم المالي. وكما يرى كثير من المشاركين في نشاطات وول ستريت، يبدو من المنطقي تماما الآن، إن لم يكن محتماً، أن اليونان ستعجز في النهاية عن الوفاء بسنداتها، أو تخرج من نطاق اليورو في ظل الحسابات المالية القائمة.
مع ذلك، كثيرون من رجال المصارف والسياسيين الأوروبيين يرون أن الأرقام غير المعالجة (أو الخام) لا تصيب الهدف. وهذه القصة في نظرهم لا تتعلق فقط بالاقتصاد، و المشاعر تزداد حدة ويزداد معها احتمال شكل من أشكال الجيشان السياسي.لكن أيضا بالسياسة وبتصميم جيل من القادة الذين اكتووا بنيران الحرب العالمية الثانية، على المحافظة على وحدة أوروبا مهما بلغت التكاليف. ولذلك، بينما هبطت أسعار السندات اليونانية وارتفعت العوائد، فإن الأرقام القوية في قلب أوروبا تربط بشكل متزايد بين هذا الأمر و»هجوم» على الاسترليني قبل عقدين من الزمن. وبكلمات أخرى، المشاعر تزداد حدة ويزداد معها احتمال شكل من أشكال الجيشان السياسي.
رغم ذلك، وبينما تدور الدوّامات الشديدة، فإن النقطة الرئيسية التي على الزعماء الأوروبيين أن يتذكروها هي أنه في عالم تميل فيه صناديق التحوط إلى تحقيق أرباحها من خلال تحديد خطوط العجز، فإن الحكاية اليونانية لم تكشف فقط خطاً للعجز، وإنما خطين: المستوى الملموس للدين الحكومي، وأيضا النقاش الأوسع حول استراتيجية الخروج وعلاقتها بالضمانات الإضافية، وأمور أخرى أوسع بكثير.
لوضع الأمور بطريقة أخرى، يمكن القول إنه في الوقت الذي كانت فيه مشاكل اليونان مغطاة جزئياً خلال معظم العام الماضي بدعم من جانب البنك المركزي الأوروبي، كان يوم الحساب يقترب بسرعة. ربما تنجح اليونان في معالجة شؤونها المالية بسرعة كافية كي تتماشى مع ذلك. وربما تمضي بلدان أخرى، كإسبانيا والبرتغال، على هذا السبيل كذلك. غير أن بعض المستثمرين المتنفذين يراهنون بوضوح ضد ذلك. فاستعدوا للكثير من الدراما. ومن المؤكد أن اليونان ليست البلد الوحيد الذي يمكن أن يظهر عارياً بصورة خطيرة حين يتراجع مد البنك المركزي.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي