ارتدادات داخل موجة هابطة
شهدت الأسواق العالمية والمحلية بعضا من الانتعاش والارتداد منتصف الأسبوع الجاري، وهي موجة ارتداد طبيعية بعد نزيف وهبوط حاد، رغم أن أسباب الهبوط لا تزال تتفاقم، حيث تسببت الحرب التجارية بين الولايات المتحدة وحلفائها، خصوصًا الصين ودول الاتحاد الأوروبي، إلى إشعال فتيلة الردود الانتقامية بينهم، ما سيؤثر سلباً في حال استمراراها إلى تباطؤ نمو الاقتصاد العالمي، الذي يعاني ضعفا منذ جائحة كورونا عام 2020.
لذلك يعد هذا الارتفاع مجرد ارتداد مؤقت داخل موجة هابطة لا تزال تلقي بظلالها على عموم الأسواق، وقد كتبنا مقالا آواخر الشهر الماضي عبر صحيفة الاقتصادية بعنوان "كيف نميز بين الارتداد الحقيقي والمؤقت؟" وذلك عن الارتداد الذي حدث منتصف ذلك الشهر، وأن الأسواق دخلت بموجة هابطة منذ ذلك الحين، وأن تلك الارتدادات لا تعد نهاية للهبوط، والحديث الآن لا يختلف عما سبق ذكره في حينه، فالأسواق شهدت بعضا من الارتفاعات خلال بعض أيام الأسبوع الجاري، لكن مع تراجع الزخم وأحجام التداول، وهو ما يعني أن الأسواق لا تزال بموجة هابطة، كما أن مسببات التراجع والهبوط لا تزال مستمرة بل تتفاقم يوما بعد يوم.
فمنذ مطلع أبريل الحالي انخفض مؤشر الإس آند بي 500 بأكثر من 870 نقطة وبنسبة تجاوزت 15%، كما هبط مؤشر الناسداك المركب بأكثر من 2850 نقطة وبنسبة تجاوزت الـ16% فيما تراجع مؤشر الداو جونز بأكثر من 5750 نقطة وبنسبة تجاوزت 13.5%.
ولم يكن النفط بمنأى عن هذه الانخفاضات، فقد تراجع خام برنت بـ18% وبنحو 15 دولارا للبرميل، حيث انخفض سعر البرميل من مستويات 75 إلى نحو 60 دولارا، كل هذه التراجعات في عموم الأسواق جاءت خلال أسبوع واحد فقط! ما يظهر مدى السلبية التي تمر بها الأسواق.
وكما هو معلوم فإن الأسواق دائما ما تسبق باتجاهاتها الأخبار إيجابا وسلبا، ومن شأن تداعيات الحرب التجارية أن تؤثر سلبا فيها، حيث ترفع من التكاليف على الشركات وتضغط على هامش الربحية لديها، ما يدفع لتباطؤ النمو ويضعف الطلب، ما يتسبب في انخفاض أسعار أسهمها، وبالتالي فالأسواق حاليا تخشى الركود بشكل كبير، كما صرح بنك "جيه بي مورجان" يوم الثلاثاء الماضي بأن الأسواق الأمريكية ترى احتمالًا بنحو 80% لركود الاقتصاد.
من جانب آخر ومع ارتداد مؤشر الدولار بنحو 2% شكّل ذلك بعض الضغط على المعدن الأصفر، الذي كان مهيأً لعمليات جني أرباح بعد تحقيقه لقمة تاريخية جديدة عند 3167 دولارا للأونصة، حيث تراجعت أسعار الذهب خلال أسبوع فقط بـ7% وبنحو 210 دولارات للأونصة، لكن يبقى الذهب مرشحا للمحافظة على اتجاهه الصاعد، كونه يعد ملاذا آمناً وقت الأزمات، كما أن خفض الفائدة المرتقب من الفيدرالي خلال هذا العام سيضعف الدولار ويقدم مزيدا من الدعم للمعدن الأصفر.
كما أظهرت البيانات الصادرة عن مجلس الذهب العالمي هذا الأسبوع أن صناديق الاستثمار المتداولة في الذهب سجلت أكبر تدفق ربع سنوي لها منذ 3 سنوات في الفترة من يناير إلى مارس 2025 ،وهو ما يظهر إقبال المستثمرين على الذهب، بحثًا عن ملاذ آمن وسط المخاوف المتزايدة من الركود الاقتصادي والضغوط السياسية.