الرأي الآخر .. المرفوض

اتصل بي ونبراته توحي بنوبة غيظ وحنق تعتريه بين حين وآخر، وسارع بسؤالي إن كنت أشاهد التلفاز الآن، فلما أجبته بالنفي تنفس الصعداء قائلا أحسن، لو كنت تفعل لاحتجت مثلي إلى حبة ضغط وسكري لضبط أعصابك، سألته ما الأمر ..؟، احتد صوته قائلاً إنها «ليفني» يا أخي «ليفني»، قلت عسى خير هل دهستها سيارة فهمشت عظامها عظما عظما، قال بل أنا من تهشمت أعصابه، هل تصدق أن قناة عربية نتابعها ونحترم مهنيتها تقوم الآن بنقل حي ومباشر لكلمتها في الكنيست بكل ما فيها من أكاذيب واجتراء على الحقائق والوقائع، ما دخلنا بذلك ..؟، مازحته أنه الرأي والرأي الآخر يا صديقي، كاد صوته يهشم سماعة الهاتف وهو يصرخ: رأي آخر مرفوض مرفوض مرفوض.
صديقي المنفعل معه كل الحق، فقاعدة الرأي والرأي الآخر، التي ترفعها بعض قنواتنا العربية الفضائية وهو شعارها، يجب ألا تكون عمياء صماء غير محكومة بضوابط وطنية وأخلاقية وقواعد مهنية تلتزم بخط وطني أساسي ..؟، هل يمكن مثلا وتحت مبدأ الرأي والرأي الآخر إتاحة الفرصة لسفاح مجرم قاتل على أنه صاحب رأي آخر، وإعطاؤه مساحة إعلامية لتبرير جرائمه وتقديم نفسه على أنه ضحية لا جلاد ..؟.
هذا وبكل أسف ما تمارسه بعض قنواتنا الفضائية الإخبارية، التي تصنف نفسها بأنها مستقلة وباسم الرأي والرأي الآخر، حين تفرد لمجرمي الحرب والقتلة الصهاينة مساحات بث يمارسون من خلالها تزويرهم للوقائع وتجميل صورتهم الكريهة في تعد صارخ على مشاعرنا وذاكرتنا المليئتين بصور بشعة لعدوانيتهم وجرائمهم بدءا من «دير ياسين» عام 1948 وحتى العدوان الهمجي البربري على غزة العام الماضي وامتداده بإبقاء الحصار الخانق عليها حتى اليوم، ولما يمثله هذا الكيان بعقيدته الصهيونية العنصرية الفاشية من تهديد لمقدساتنا وحرمتها ولأمننا العربي كله.
فمتى كان قتلة الأطفال في فلسطين، و«قانا» اللبنانية، ومدرسة «بحر البقر» المصرية، ولنعد لذاكرتنا، يعاملون على أنهم أصحاب رأي آخر ..؟!!
ما تفعله بعض قنواتنا العربية الرائدة فعلا في تطبيق شعار الرأي والرأي الآخر، والذي مثل إنشاؤها حجرا حرك بحيرة إعلامنا العربي الراكدة، حين تسارع بنقل حي ومباشر لكلمة أو مؤتمر صحافي لمسؤول في كيان العدو وخاصة ممن هو مدان وممارس لجرائم حرب مثل «ليفني»، يدخل في باب السذاجة الإعلامية والمفهوم الخاطئ للسبق الإعلامي وليس من باب الرأي والرأي الآخر، فكم كان مستغربا ومستفزاً أن تحرص «هذه القناة» مثلا قبل أسبوعين على نقل حي ومباشر لخطاب مجرمة حرب وعميلة الموساد السابقة «ليفني» وزيرة خارجية كيان العدو الصهيوني إبان العدوان على غزة ومن هدد بشنه قبل يومين من تنفيذه من مصر، والتي ألقته من على منصة الكنيست الصهيوني بحضور رئيس وزراء إيطاليا وهي تجرح فيه مشاعر كل عربي ومسلم وتمارس فيه تعديها بتزوير الحقائق وإطلاق ادعاءات فجة تبرر فيه العدوان على غزة، والذي صنف دولياً وحقوقياً على أنه جريمة حرب، بكونه مجرد دفاع عن النفس ضد ما سمته بـ «الإرهاب» الفلسطيني وتقصد به حق المقاومة للاحتلال والعدوان ..؟!!
حقيقة لا نفهم ما القيمة الإعلامية لكي تحرص قناة عربية على نقل خطاب كامل فج ومسيء لمشاعر مشاهديها العرب لواحدة من رموز مجرمي الحرب الصهاينة ..؟، فهل تناست هذه القناة من هي «ليفني» وما تمثله وما يمكن أن يصدر منها وهي مصنفة دولياً كمجرمة حرب في العدوان على غزة من خلال تقارير «جولدستن» .. وكيف هربت قبل شهرين من العاصمة البريطانية حتى لا يتم تنفيذ حكم قضائي بريطاني بالقبض عليها وتقديمها للمحاكمة بهذه التهمة ..؟، فهل يقبل أن تحتفي قناة عربية بخطاب مستفز لمجرمة حرب وتنكد فيه على مشاهديها العرب ..؟
أعتقد أن إعلامنا العربي المستقل عليه ألا ينقاد للتطبيع الإعلامي مع العدو تحت أي مسمى كالاستقلالية والحيادية، ففي قضايا الأمة الجوهرية والأساسية ليس هناك استقلالية ولا حيادية، بل تبن لها وتعبير عنها، وهنا لا بد أن يلتزم إعلامنا العربي المستقل تحديداً بميثاق شرف وطني يحدد التعامل الإعلامي مع عدونا، حتى لا يصبح مجرد بوق إعلامي يلهث خلف خطاب هنا أو مؤتمر صحافي هناك لقادة العدو وكأنه يحقق سبقا إعلاميا ويستخدم من قبل قادته ورموزه لاختراق حائط الصد والرفض العربي الشعبي له، فمثل هذه المتابعة والنقل المباشر لخطب ومؤتمرات قادة كيان العدو وإدخالها لكل بيت عربي لا تدخل ضمن مبدأ الرأي الآخر، فمتى كان أمثال «نتنياهو» و«ليبرمان» و«ليفني» يمثلون وجهة نظر ورأيا آخر، وليس عنصرية وعدوانية ..؟

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي