إسرائيل والاتحاد الأوروبي
كلما تعرض زعيم أوروبي أو سيناتور أمريكي لمشكلات تتعلق بنزاهته أو أدائه، نراه يهرع إلى إسرائيل، يحصل منها على بركاتها كتذكرة تؤهله لإعـادة التأهل .
وآخر هؤلاء الصادحين في جوقة الصهاينة هو سيلفيو برلسكوني المتورط دائما في قضايا المراهقات والقمار والفساد، والذي كلما سقط وجدناه يقوم بقدرة قادر. وآخر ما قاله برلسكوني هو ذلك التصريح في الكنيست الإسرائيلي «إنكم مثلنا ونحن نريدكم».
وعلى عكس دول أخرى فإن إسرائيل وهي تتابع هذه الدعوة، تحاول أن تبدي عدم الاكتراث، بل تتصاعد أصوات تقول إننا لا نريد أوروبا وتردد «إننا غير مستعجلين للدخول في الاتحاد الأوروبي»، ويقول صوت ثالث «إننا لم نتقدم بأي طلب لدخول هذا الاتحاد وهو الشرط الأول للدخول».
مع ذلك عندما أعلن برلسكوني نداءه الصهيوني ضج الكنيست بالتصفيق. ومعظم المصفقين يعرفون أن نداء برلسكوني لا يعني شيئا، فالاتحاد الأوروبي غير مهتم إطلاقا بعضوية إسرائيل، أما إسرائيل فهي دولة تشعر بالعزلة، وتدرك أن أعمالها وضعتها في شر المواقف، ولولا الضغوط الهائلة التي تمارسها الولايات المتحدة من أجلها لأدركت حجم المعاناة التي تأتي نتيجة رفض دول العالم لسلوكياتها.
وترجع فكرة إدخال إسرائيل إلى الاتحاد الأوروبي إلى عام 2002 عندما كان نتنياهو وزيرا للمالية، وقام بزيارة لبرلسكوني وطلب إليه التقدم باقتراح بضم إسرائيل إلى النادي الكبير (الاتحاد الأوروبي). في ذلك الوقت لاقت الفكرة رواجا إعلاميا إسرائيليا كبيرا، وبدأ الطبالون والزمارون في الجوقة الإسرائيلية يدقون طبول الأفراح حتى فوجئ الجميع بالحقائق. أولى تلك الحقائق هي مبادئ الاتحاد نفسه التي تتعلق بحرية حركة الإنسان والبضائع والأموال والخدمات.
ونظرا لأن إسرائيل لها هوس أمني غير موجود في دولة أخرى، فإن السماح بحرية تجول الأوروبيين في إسرائيل وهم يحملون ما يريدون أمر في غاية الصعوبة.
ثمة أمر آخر ظل الإسرائيليون يرددونه وهو أن اليهود غنموا دولتهم بالصراع وما زال مصيرهم مهددا، ولذلك فهم لا يريدون التضحية بعلمهم ونشيدهم الوطني لأنهم لم يشبعوا بعد من الوطنية والقومية، وعضوية الاتحاد الأوروبي تذيب الفروق القومية وتفرض علما واحدا. وهي تضحية يقول بعض دعاة الصهيونية إنها صعبة.
وعندما تأمّل الإسرائيليون فيما تفرضه عليهم شروط العضوية، وجدوا من الصعب عليهم ممارسة سياسة الحصول على كل شيء دون دفع شيء، وهو ما عودتهم عليه واشنطن. فالاتحاد الأوروبي يفرض على إسرائيل في مجال السياسة الخارجية أن تكون سياستها على الخط نفسه مع السياسة الخارجية للاتحاد الأوروبي وكذلك سياساتها الاقتصادية والصناعية والزراعية. فإذا قرر المجلس المختص بالشؤون الزراعية أن تمتنع إسرائيل عن زراعة نوع من الفلفل الأحمر فإنها لا بد أن تنصاع وإلا تعرضت للعقوبات.
على الجانب الآخر اشتهر عدد من الساسة الإسرائيليين بانعدام اللياقة وعلى رأسهم ليبرمان وزير الخارجية، فهل تتحمل الدبلوماسية الأوروبية وجود شخص كهذا بين صفوفها؟
وهناك نقطة في غاية الأهمية، وهي أن الاتحاد الأوروبي لن يقبل إسرائيل في صفوفه إذا استمرت حالة الحرب مع الفلسطينيين والعرب. وما علينا إلا أن نتذكر ما حدث عندما طالبت إسرائيل بقليل من المزايا مع الاتحاد الأوروبي ولكنها فشلت في مسعاها بسبب عملية الرصاص المصبوب وعدوانها الوحشي على المدنيين في غزة، مما يعطي المؤشرات على ما هو متوقع إذا ما تم تقديم طلب الانضمام الكامل.
وقد أعلن الاتحاد الأوروبي مرارا أنه لن يمنح إسرائيل عضويته إذا لم تنسحب من الأراضي التي تم احتلالها عام 1967، والمقصود هنا هو مرتفعات الجولان السورية والقدس الشرقية. ويعلم الجميع أن إسرائيل لن تتنازل عن هذه الأراضي لمجرد الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي.
وهكذا فإن برلسكوني أراد استقطاب شعبية لدى اليهود لتفيده في مواقع أخرى يعرفها، وهو يعرف أن حديثه عن قبول إسرائيل في الاتحاد هو كلام لا سند له، وهو كلام مجاملة أراد به أن يبين مشاعره تجاه إسرائيل.
ويعلم الإسرائيليون أنهم من سلالات مختلفة، وأن الأوروبيين لن يرحبوا أبدا بمن هو من غير أصول أوروبية. وها هي تركيا تقف على أعتاب الاتحاد الأوروبي منذ سنين وقدمت كل المسوغات والمؤهلات ومع ذلك لم يفتح لها الأوروبيون الباب.
فالاتحاد الأوروبي رغم كل الشعارات دولة أوروبية واحدة، مصالحها تبتعد كثيرا عن مصالح إسرائيل، التي اعتمدت نفسها استراتيجيا قاعدة أمريكية في المنطقة. ورغم التحالف الأوروبي – الأمريكي، إلا أن الأوروبيين لا يعتبرون أنفسهم شيئا واحدا مع أمريكا. وهم بصدد استكمال ضم الأوروبيين الشرقيين، قبل التفكير في النظر وراء البوسفور والدردنيل أو البحر الأبيض لاحتواء دول أخرى تحمل معها مشكلاتها التاريخية وتؤرق أوروبا بما لديها من ألغام، هي في غنى عنها في هذه المرحلة.